الفرق في الجهد يولد التيار الكهربي، والفرق في الحرارة يدفع الرياح لواقح، والفرق في الجنس يوجد الزواج ويولد الحب ويتكاثر النوع، وسبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لايعلمون . والفرق في الناس يخلق التراتبية في المجتمع فيتسخر ناس لناس وتنشأ الصناعات وتتوفر الخدمات، وجعل بعضكم فوق بعض درجات ليتخذ بعضكم بعضاً سخرياً ورحمة ربك خير مما يجمعون. والتباين في الأفكار يولد أفكاراً جديدة لتتزاوج وتنشأ ذرية جديدة من الأفكار المبدعة، والتباين في الثقافات يحفز على التنافس وفي ذلك فليتنافس المتنافسون. وعندما كتب المؤلف القرافي قديماً (الفَرق بين الفِرق) قصد التباين بين الجماعات ولذلك خلقهم؛ فالكون مركب على التباين، ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين ولذلك خلقهم. بني الكون على التنوع والوحدة وعلى البساطة والتعقيد بنفس الوقت. ففي الرياضيات مهما تضاعف الرقم فهو من تراكم رقم الواحد. وفي الفيزياء كل العناصر تبدأ من ذرة الهيدروجين البسيطة، واليورانيوم ملك العناصر هو تكرار وتراكم 92 مرة لذرة الهيدروجين. وعندما كشف الكيميائي الروسي (مندلييف) الجدول الدوري للعناصر رأى أن العناصر هي إضافات مستمرة من عدد البروتونات الى نواة الذرة بحيث تشكل العناصر في النهاية سلماً متدرجاً كما في السلم الموسيقي. وهناك عالم لفت نظره تركيب (جزيء الثلج) أن ندف الثلج لا تزيد عن شكل بلورات وعلى شكل واحد، وعندما فحصها تحت المجهر عرف أنها ذات تركيب سداسي مهما نزل منها من السماء من التريليونات، بمعنى أن المعين السداسي يتناوب في شكله ولكن يحافظ على جوهره على نحو سداسي لا يتغير وبغاية الجمال والأناقة مما أوحى برسومات جمالية لتطريز الملابس والستائر، ولقد عكف هذا العالم الذي جاء ذكر قصته في كتاب (العلم في منظوره الجديد) خمسين عاماً وهو يدرس الأشكال السداسية لندف الثلج عساه أن يجتمع بشكل آخر فلم يجد .. ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار. وعندما بحث العلماء في تركيب قوى الكون وجدوا أن مآلها الى خمس قوى هي الكهرباء والمغناطيس والجاذبية وقوى النواة القوية والضعيفة وقد استطاع مكسويل دمج الأولى والثانية بقوة واحدة هي الكهرطيسية كما أن عبد السلام وفاينبرج زميل له دمجوا القوة النووية الضعيفة مع الجاذبية. والمهم كما يذكر العالم الفيزيائي البريطاني ستيفن هوكنج في كتابه قصة قصيرة للزمان، إن آينشتاين قضى سنوات عمره العشرين الأخيرة وهو يحاول دمج الطاقات كلها بطاقة واحدة عسى أن يجتمع بالقانون التوحيدي للوجود؟ وكل العلماء يقولون أن الكون مع بداياته كانت تحكمه قوة واحدة وتحاول الفيزياء الحديثة دمج فيزياء الكم بالنسبية من أجل الوصول الى قانون نوعي واحد، يحكم الوجود هو أفضل من كل فيزياء ظهرت حتى الآن. إن الفلسفة ثقيلة ولكنها وجبة دسمة للعقل يحتاجها الانسان أحياناً.