التحديات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية التي تواجه الواقع الراهن لا يمكن القول إنها وليدة المكايدات والمزايدات الحزبية والسياسية بين من هم في الحكم ومن هم في المعارضة من الأحزاب والتنظيمات السياسية فقط دون غيرها من الأسباب والعوامل الذاتية والموضوعية الأخرى ذات الصلة بالاختلالات الإدارية والمالية التي تعاني منها السلطات والمؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية التي تتكون منها الدولة الديمقراطية الحديثة المولد والنشأة التاريخية الحديثة التي ولدت وتكونت في مرحلتي الشرعية الثورية والشرعية الدستورية. أقول ذلك وأقصد به أن أي حوار سياسي بين الأحزاب والتنظيمات السياسية الحاكمة والمعارضة لا يمكن أن يفضي إلى ابتكار ما هو مطلوب وجاهز من الحلول والإصلاحات السياسية والانتخابية النظرية الكفيلة بقهر تلك التحديات والأخطار المركبة والضاربة جذورها المادية في أعماق الواقع اليمني الصعب الذي يستوجب توافر قدر معقول من الطاقات والإمكانيات والموارد المادية تفوق مئات المرات حجم ما هو متاح وممكن مما لدينا من الطاقات والإمكانيات والموارد الطبيعية من خلال أبجديات المقارنة العلمية بين نسبة السكان ونسبة الموارد الطبيعية الممكنة والمتاحة إذا علمنا أن أية زيادة في معدلات النمو الاقتصادي لا تفي حتى بما هو مطلوب من نسبة نمو فيما لدينا من الخطط والبرامج الاقتصادية والاجتماعية لشعب يعيش فيه ما يقرب من نصف السكان في حالة فقر إذا لم أقول تحت خط الفقر الذي تحدده الإحصاءات المعلنة التي تعتمد عليها الهيئات والمنظمات والدول المانحة. ومعنى ذلك أن مجابهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية مسئولية حكومية قبل وبعد أن تكون مسئولية حزبية؛ لأن الحكومة هي المسئولة عن إعلان وإعداد وتنفيذ السياسات والخطط والبرامج الاقتصادية والاجتماعية بحكم ما تمتلكه من الصلاحيات والسلطات الدستورية والقانونية. نعم إن التنمية بثالوثها السياسي والاقتصادي والاجتماعي المادي والثقافي هي مسئولية حكومية أمام الهيئة الشعبية الناخبة التي منحتها الثقة البرلمانية على أساس ما وعد به حزبها من منجزات في برنامجه الانتخابي السياسي والاقتصادي والاجتماعي في شتى المجالات الحياتية والحضارية والخدمية والإنتاجية. والحكومة الناجحة التي تستوعب مسئولياتها الاقتصادية والاجتماعية والأمنية تجاه الشعب تدرك سلفاً أنها مسئولة فقط أمام الأغلبية البرلمانية التي منحتها الثقة والتي تمتلك الحق في سحب هذه الثقة في أي وقت من الأوقات التي تشعر فيها بأن حكومتها عاجزة عن تطبيق البرنامج السياسي والاقتصادي والاجتماعي لحزبها الحاكم الذي حاز بموجبه على الثقة، وهكذا يصبح التداول السلمي للسلطة محكوماً بشرعية انتخابية ذات مواعيد ودورات انتخابية محددة وغير قابلة للتسويف والمماطلة والتنصل من المسئولية. أقول ذلك وأقصد به دعوة حكومة الأغلبية البرلمانية الحالية إلى المضي قدماً فيما تبقى لها من فترة زمنية فاصلة بين الآن وبين الانتخابات البرلمانية القادمة والمقرر إجراؤها في ال27 من أبريل 2011م دون حاجة إلى الاتكال والركون على ما سوف ينتهي إليه حوار القوى السياسية من إصلاحات سياسية وانتخابية هادفة إلى تطوير ما لدينا من مرجعية دستورية ومنظومة قانونية نافذة. لأن الهيئة الناخبة تقيس النجاح والفشل بما هو محسوس وملموس من منجزات اقتصادية واجتماعية تنموية لا تخرج عن كونها منجزات خدمية وإنتاجية تؤمّن لذوي الدخل المحدود والذين لا دخل لهم مستوى معقولاً ومقبولاً من الحياة المعيشية التي تؤمّن لهم الحد الأدنى من الحياة الآمنة والمستقرة والعادلة، وحتى يتحقق الحد الأدنى من الضروريات الخدمية والإنتاجية التي تحفظ للريال قيمته الشرائية الثابتة، وتؤمّن للموظفين قدراً معقولاً من زيادة المرتبات، وتؤمّن للعاطلين فرص عمل جديدة ناهيك عما تحققه من خدمات أمنية وقضائية وتعليمية وصحية وخدمات كهربائية ومائية وسكنية وطرقات معبدة ومسفلتة ونهضة عمرانية ومساواة تعبر عن نفسها في تطبيق ما هو نافذ من المنظومة الدستورية والقانونية ...إلخ... إلخ. هنا يمكن للنائب أن يشعر بثقته في حكومته الديمقراطية الناجحة والموفقة، وهنا يجد نواب الشعب ما يحتاجونه من تجديد لثقة هيئتهم الشعبية الناخبة صاحبة القول الفصل في منح الثقة وحجب الثقة عن هذا الحزب الحاكم، وذاك الحزب المعارض، وبهذا المرشح الحزبي وذاك المرشح المستقل؛ لأن المجتمع تشغله سلسلة من الاحتياجات والكفايات الخدمية والإنتاجية الهادفة إلى الارتقاء به نحو التقدم والرفاهية والسعادة المرتبطة بالحياة المعيشية المستقرة والآمنة. ولا حاجة له قط إلى الانشغال بالإصلاحات الترفية ذات الصلة باستحداث المجالس والهيئات الاستهلاكية المنتخبة أو المعينة التي لا ينظر إليها إلا من زاوية ما تضيف إليه من الأعباء والنفقات المالية المكلفة التي تضيف فساداً إلى فساد وعجزاً إلى ما هو قائم من عجز في الموازنة العامة للدولة والوحدات الاقتصادية العامة والمختلطة وبيروقراطية إلى ما هو موروث ومكتسب من البيروقراطيات الإدارية والمالية التي لا ينتج عنها سوى إضافة هيئات إلى هيئات ومؤسسات إلى مؤسسات، وفساد إلى فساد وفقر إلى فقر ومعاناة إلى معاناة. نعم إن الحكومة هي المسئولة عن تطبيق ما لديها من السياسات والخطط والبرامج التنموية وما تحتاجه مؤسسات وهيئات الدولة من إصلاحات مالية وإدارية وإمكانات وموارد ذات الصلة بتحقيق ما هو منشود من المنجزات الاقتصادية والاجتماعية توجب رعاية وتطوير ما لديها من القطاعات الاقتصادية الخاصة والمختلطة جنباً إلى جنب مع ما يجب أن يقوم به القطاع الخاص من استثمارات اقتصادية واجتماعية وسياسية وصناعية وزراعية وتجارية إنتاجية وخدمية متعددة الأهداف والأغراض التنموية البناءة في عصر يقال عنه عصر الخصخصة وعصر العولمة والحكم الرشيد والصالح والقادر على تذليل الصعوبات والمعوقات أمام الحركة الصناعية والتجارية النشطة التي انحصرت فيها الوظائف الاقتصادية والتجارية والعمرانية الخدمية والإنتاجية للدول الرأسمالية لصالح اتساع الوظائف الاقتصادية الخدمية الإنتاجية للقطاع الخاص، وما يستوجبه من الإصلاحات والضمانات والمعنويات المحفزة للمسابقات والمنافسات الاستثمارية التي تلقي على كاهل الحكومة بمسئوليات جديدة سواء في توفير بيئات قانونية وأمنية وقضائية راقية أم في مجال ما يوفره من الإعفاءات والمغريات الرسمية والآمنة والجاذبة للاستثمارات العربية والأجنبية الواعدة. وهكذا يتضح من الإشارات الموجزة أن التنمية الاقتصادية والاجتماعية والأمنية مسئولية حكومية بامتياز، وأن ما تقوم به المعارضة من اضطرابات ومظاهرات واعتصامات وأحداث شغب ليس سوى إشغال للحكومة في مهام جانبية تحول بينها وبين مهامها الرئيسية مقروناً بعملية إعلامية تملأ الآفاق حول حاجة البلاد إلى الحوار الوطني باعتبارها الأولوية الأولى وربما الوحيدة الواعدة بالحلول الجاهزة التي تعد بها كوسيلة وحيدة لحل الأزمة السياسية والاقتصادية، هو بالتأكيد إحدى الإيجابيات المفيدة الدالة على حيوية التجربة الديمقراطية اليمنية الناشئة؛ لكنه ليس البديل لما يحتاج إليه الشعب اليمني من حلول عاجلة لما يعانيه من صعوبات اقتصادية واجتماعية وأمنية. لأن الحوار وما سوف ينتج عنه من إصلاحات سياسية وانتخابية قد يأتي بحلول لمشاكل وتطلعات الأحزاب؛ لكنه لا ولن يأتي بمجموعة من الحلول السحرية الجاهزة لمعاناة الناس ومشاكلهم الاقتصادية والاجتماعية ومخاوفهم الأمنية.