من نعم الله على العبد أن يرزقه نعمتي البصر والبصيرة معاً , والبصيرة لا تقتصر على رؤية هياكل وأجسام الموجودات المحيطة بالإنسان بل لا بد من رؤية انعكاس الضوء عليها فيما يعرف بالألوان وهنا يكون للإبصار متعته وجماله أما الشخص الذي لا يستطيع رؤية الألوان فهو شخص مريض (بإجماع) أطباء العيون فيما يعرف بمرض عمى الألوان والذي يعرف بأنه شذوذ في قدرة العين على التمييز بين الألوان ويحصل نتيجة خلل في العين أو العصب البصري أو الدماغ وخطورته أنه لا يهدد البصر وقلّ أن يتبين صاحبه المصاب به لذلك وفيه يبدو كل شيء بدرجات من الأسود أو الرمادي أو الأبيض وليست لديه ألوان أخرى , فتصوروا معي الحياة بهذه الألوان فقط ؟ أما البصيرة فتعني قدرة صاحبها على رؤية الأفكار المختلفة واستكناه المشاعر والأحاسيس بروح العارف بالله وتدفعه هذه البصيرة إلى احترام الأفكار الأخرى مهما بلغت درجة اختلافها مع ما يراه . هذه البصيرة هي التي طلب الله من نبيه وعباده تمثلها ومخاطبة مخالفيهم بها فقال تعالى ( قلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ } 24 25 من سورة سبأ ، أولم يكن مانح البصيرة لعباده أولى بحسم هذا الخلاف الأزلي ؟ أولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحب أنقى وأعظم بصيرة قادراً على فرض رؤيته على مخالفيه ؟ ولهذا كان من الحمق والغباء معا أن نطلب من الناس أن يصبحوا لوناً فكرياً واحداً ورأياً واحداً واتجاهاً واحداً وذلك لعمري هو عمى البصيرة المقابل لعمى الألوان وهو المرض الذي يصيب جميع الطغاة والفراعنة الذين يصادرون حق عباد الله في العيش والبقاء والتفكير بمنطق أعوج يفتقد أبسط قواعد الذوق والاحترام واللياقة والكياسة فيرددون دوماً قول كبيرهم الذي علمهم السحر وسجله القرآن شاهداً عليه وعليهم (لا أريكم إلا ما أرى) وتبقى الكارثة عند أولئك الذين لا يقبلون الاختلاف من أحد حتى في إطار الدائرة الواسعة للمباحات في الإسلام فيريدون من الناس أن يضيقوا على أنفسهم وأهليهم كما ضيقوا على أنفسهم وأهليهم وطلابهم ومريديهم يريدون منا أن نصاب بعمى الألوان وعمى الأفكار والانسحاب من الحياة برمتها . لكن سنة الله اقتضت دوماً أن تتجاوز الحياة منطق الأعراب الذين يتحجرون واسعاً وسنصبُّ على مخلفاتهم الفكرية ألف دلو من الماء .