بالصدفة البحتة كنت منذ يومين وبمعيتي الأخ الزميل عبدالله سلطان في زيارة خاطفة لمديرية حيفان .. ومبعث حديثي عن هذه المنطقة أنها تمثل رمزاً لعبقرية الإنسان، حيث لا ينفصل ذكرها مع كل حديث عن الاقتصاد الوطني، حيث شهدت مسقط رأس رجل الأعمال الحاج هائل سعيد أنعم الذي جسّد في حياته أنموذجاً للعصامي المثابر ورجل الأعمال الناجح الذي وعى جيداً الوظيفة الاجتماعية والإنسانية للمال. وبينما كانت السيارة التي تقلنا إلى مركز المديرية وهي تتعرج في طريق اسفلتي إلى قمة الجبل كنت أربط صورة هذه التضاريس برحلة الحاج هائل سعيد أنعم الذي لا يقتصر دوره في ريادة الحركة الصناعية، بل امتد إلى إحياء قيم التعاون وحب الخير فضلاً عن إثرائه الحياة الثقافية والفكرية فيما نعيشه اليوم تحت ظلال جائزة المرحوم هائل سعيد أنعم وهي في ريعان شبابها واشتداد عودها واتساع فضاءاتها، حيث عرفت من الأستاذ فيصل سعيد فارع، مدير عام مؤسسة السعيد للعلوم بأن هذه الدورة للجائزة ستشهد فوز أحد المبدعين العرب غير المقيمين في اليمن لأول مرة ليتحقق بذلك حلم كثيرين ممن كانوا يتطلعون إلى أن تصبح لكل اليمنيين والعرب غير المقيمين أسوة بجائزتي (العويس) و(البابطين) وغيرهما من الجوائز ذات الفضاء العربي والإقليمي.
في منطقة على صدر جبل حيفان تبدو بعض المنازل بحجاراتها البيضاء وعلى طراز البناء اليمني القديم وقد تناثرت ثلة منها بغير انتظام، حيث ولد هناك الحاج هائل وانطلق وهو في ريعان الشباب إلى عدن التي اختط منها رحلة سفر طويلة أكدت صلابة الرجل ورجاحة عقله عندما سافر إلى مرسيليا في فرنسا، ومنها اختط نهجاً لحياته العملية والإدارية إلى أن عاد إلى عدن. وحسب الباحثة الدكتورة اسمهان العلس؛ فإن الحاج هائل كشف عن معدنه الوحدوي عندما بدأ مبكراً في تعزيز التجارة البينية داخل الوطن اليمني الكبير، وبخاصة عندما كانت تجارة عدن تقتصر على استيراد المواشي من الصومال مفضلاً عن ذلك استقدامها من مناطق الشمال، ورغم الخسائر التي كانت تلحق بتجارة الرجل إلا أنه ظل حريصاً على الاتصال والتواصل لتعزيز أشكال هذه الأعمال التجارية في أحلك ظروف اليمن التشطيرية.
مبعث هذا الحديث أسباب عديدة لعل تسليم جائزة المرحوم هائل في دورتها الثالثة عشرة واحد منها، فضلاً عن أن هذه المناسبة تتزامن مع حدثين بارزين «مع اختلاف دلالة كل منهما» حيث احتضان تعز لاحتفالات العيد الوطني العشرين لقيام الجمهورية اليمنية الذي يتزامن مع رحيل الحاج هائل سعيد أنعم. ولعل السبب الأبرز من كل ذلك أن تبقى أعمال الرجل ذات البعد الإنساني والثقافي حاضرة نعيشها وكأنه إلى جانبنا يحثنا على الإبداع والبذل وحب الوطن؛ وقبل ذلك حب الإنسان لأخيه الإنسان في أنموذج لا يمكن أن تخطئه الدلالة ونحن اليوم نعيش فرحة الوطن وفرحة الجائزة.