الرسول الكريم تركنا على المحجة البيضاء فلا يزيغ عنها إلا هالك، والهالكون أقوام حمقى معاندون قادهم إعجابهم بأنفسهم إلى معاداة المسلمين ورفض إجماعهم على الفهم الصحيح لشرائع الإسلام وتوجيهاته، ولنتذكّر ذلك المارق صاحب الوجه المهاب والهيئة الوقورة حينما وقف في وجه النبي الكريم قائلاً: "إعدل يا محمد" يقول هذا لرائد العدالة الأول وأنظف يد عرفتها الدنيا وخير مبعوث أرسى قيم العدالة والمساواة بين البشر!!. وحيال ذلك لم ير النبي الكريم أنها حماقة فرد أو حدث عابر لا تأثير له في قناعة المسلمين بقيم الإسلام ومبادئه، وإنما أدرك الرسول خطورة مثل هذا الموقف على مسيرة الإسلام والمسلمين ورأى أن هذا الرجل بذرة خوارجية تؤسس لفكر ضال ومنهج منحرف وشكلية جوفاء سينال منها جوهر الدين طعنات تثخن الجروح في جسده، وتنقل عنه صورة سيئة ومشوّهة تتسبب في اتهام الإسلام وإلحاق الكهنوتية والإرهاب والعداء للإنسانية بفكره السمح الوسطي الذي جاء لإسعاد الإنسانية. لقد عنّف الرسول الكريم ذلك الرجل التميمي المدعو "ذو الخويصرة" قائلاً له: "ويحك من يعدل إن لم أعدل، لقد خبت وخسرت إن لم أعدل". وحين قال عمر: "ائذن لي يا رسول الله بضرب عنقه" قال الرسول الكريم "دعه... فإن له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته إلى صلاتهم وصيامه إلى صيامهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية". نعم.. هؤلاء هم الحمقى الذين آذوا الإسلام والنبي بين أظهرهم، وهم الذين نكبوا تاريخ الإسلام من بعده بنسلهم الخبيث المعمق للجهل واتباع الهوى وضلالة الفكر وادعاء أنهم حماة الإسلام وحراس العقيدة، وهم اليوم في عصرنا يصولون ويجولون ويشذون عن رأي المسلمين ويتنكبون طريق العلم والعلماء السائرين على منهج الإسلام القويم. إن خويصرات اليوم يصيبوننا بسهام كثيرة، وكم جنينا من أعباء ودفعنا من أثمان جراء أفعالهم النكراء ونشرهم للفكر المغلوط في أوساط الناشئة. إنهم يغررون بكثير من شباب اليوم، يدفعونهم إلى ارتكاب مايزيد في انحطاط العرب والمسلمين.. إن هذا الفكر الانتحاري استرخاص لقيمة الشاب المسلم وأهميته في بناء الحياة ونشر قيم الحق والعدل والإخاء والمحبة بين الناس، فعند أولئك الخوارج تصبح الدماء والعنف هو لغة الإسلام لا الحوار والدعوة ونشر الأخلاق الإسلامية والتعامل الحسن... ما الذي ستجنيه الأمة اليوم من هذه الأعمال الإرهابية إن هي أودت بشخص أو اثنين أو أكثر من مواطني الدول الغربية سواء أكانوا معاهدين أم غيرهم من المدنيين، وما ذنب من لقي حتفه من أهل الإسلام أو نتج الحادث الإرهابي عن إصابته بعاهة تقعده عن ممارسة الحياة والعمل من أجل إطعام أهله وإعاشتهم حياة كريمة؟!. لَكَم يحزننا ويحزن كل مسلم أن يتهدّم مابقي من حصون الإسلام بإيادٍ تدعي أنها تبني صرح الإسلام المستقبلي وهي تسرع نحو تقويض بنيانه واقتلاع جذوره ليسود الحمق والهوى والعصبية العمياء فويل لهم مما كتبت أيدهم وويل لهم مما يكسبون. ليعلم الكل أن خوارج اليوم إذا لم يقفوا عند حدهم فإن مستقبل المسلمين وهممهم العالية ستزداد انتكاساً وخيبة وتيهاً يجعل العرب والمسلمين في ارتهان دائم لأطماع الآخرين ومشاريعهم التآمرية، وما العملية الانتحارية الإرهابية الأخيرة التي حاولت اغتيال السفير البريطاني ومن معه إلا إجراء جبان من هذا القبيل، يعمل مدبروه ضد مصالح المسلمين وسعياً نحو تشويه صورة دينهم عند الآخرين، فمزيداً من اليقظة والحذر من أجل تفكيك خيوط هذه المؤامرة الإرهابية الحاقدة على اليمنيين أولاً وعلى غيرهم من المسلمين ثانياً.. والتي لا تخدم إلا أعداءهم.