النظافة سلوك حضاري، ومع التعود عليها منذ الصغر تصبح عادة طبيعية وجزءاً من تصرفات الإنسان في حياته اليومية، تبدأ من الاهتمام بالنظافة الشخصية إلى نظافة البيئة والمحيط الذي يعيش فيه، وكل فرد داخل المجتمع مسؤول عن تحقيق هذا السلوك، والمفترض أن مجتمعاتنا الإسلامية هي الأشد حرصاً على تطبيق هذا الجانب لتكون قدوة للمجتمعات الأخرى لأن النظافة لا تقتصر على كونها سلوكاً حضارياً بل عنصر من عناصر الإيمان ينبغي أن تنعكس على سلوكنا اليومي. وغياب عمال النظافة عن كنس الشوارع لمدة يومين فقط سبّب أزمة نظافة، حيث تحولت الشوارع إلى مكب للنفايات والأوساخ؛ بسبب تصرفات الناس غير المسؤولة وانعدام الحس بالواجب الوطني في ظل غياب التوعية والتثقيف البيئي، ومع هذه السلوكيات الخاطئة أصبح منظر الشوارع مقززاً، وأدركنا حاجتنا الملحة إلى ضرورة وجود عمال نظافة يحافظون على الصورة والمظهر الجمالي لهذا البلد، ولولاهم لغرقنا في بحر القاذورات والأوساخ دون أن نحرك ساكناً أو ندرك أن نظافة البيئة مسؤولية مشتركة، وهذا ما يدعونا إلى احترام عامل النظافة الذي يعمل تحت أشعة الشمس وفي ظلام الليل يكنس ويجمع ما نرميه في الشوارع والحدائق والشواطئ من أوساخ ونفايات، واعتبار هذه المهنة من أشرف وأصعب المهن وتُقدم خدمات جليلة للمجتمع . ومنذ تاريخ 24 مايو بدأ عمال النظافة إضرابهم الشامل لتسليط الضوء على قضاياهم ومعاناتهم لتحقيق مطالبهم المهنية والمتصلة بحقوقهم في العمل، ففي حين أنهم يبذلون جهوداً مضنية ومتواصلة خلال أربعة وعشرين ساعة في كنس وتنظيف وجمع القمامات من الشوارع فإن المجتمع لايزال ينظر إليهم نظرة ازدراء وتهكم، بحكم أن العاملين في هذه المهنة من الفئات المهمشة، ومن ناحية أخرى فإن غالبية العمال يعملون دون عقود وغير مثبتين في عملهم، والبعض منهم مضى على عمله ما يقارب 18 سنة، وهو على هذا الحال، مما يتنافى مع قوانين العمل والخدمة المدنية، ولأنهم يمارسون عملهم دون تعاقد تسقط عنهم حقوقهم في العمل أسوةً ببقية الموظفين الرسميين والمتعاقدين. والأجر الزهيد الذي يحصل عليه عامل النظافة لا يساوي مقدار الجهد المبذول، ولا يكاد يفي باحتياجاته الشخصية والأسرية، ولا يكفل مستوى معيشياً لائقاً لهم ولعائلاتهم، هذا ناهيك عن ضياع حقوقهم الأخرى في الحصول على الإجازات الاعتيادية، كما أنه يتم الخصم من أجورهم في حالة الغياب، ونعلم جيداً أن تنظيف الشوارع وجمع القمامات قد يجلب العديد من الأمراض، ومع ذلك لا يوجد لهؤلاء العمال أي ضمان صحي أو تعويض في حالة الإصابة أثناء العمل حتى النساء العاملات بهذه المهنة لا يحصلن على حقهن في إجازات الوضع. هؤلاء العمال يعيشون في ظروف إنسانية صعبة، وأكثرهم لا يجدون المال الكافي لتعليم أبنائهم، ويسكنون في صنادق وعشش بمناطق عشوائية. وحتى نكون منصفين في هذا الشأن نأمل أن يتم تنفيذ توجيهات فخامة رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء بشأن سرعة معالجة قضايا ومطالب الاتحاد العام لعمال نقابات اليمن على ضوء الأنظمة والقوانين النافذة، وبما يخدم المصلحة العامة للبلاد، فهذا كفيل بحفظ حقوق عمال النظافة المتفانين في أداء عملهم على أحسن وجه، ولتعود واجهة الشوارع نظيفة، ويُحظى عامل النظافة باحترام وتقدير المجتمع.