ليس من المبالغة القول بأن منظمات حقوق الإنسان في اليمن تدار بآليات بعيدة عن قواعد حقوق الإنسان، فهذه المنظمات تفتقر للعمل المؤسسي وللآليات الديمقراطية التي تضمن تدوير المنصب وتعمل على الارتقاء بالمنظمة من الإطار الشخصي إلى الإطار المؤسسي، بما يترتب عليه من موضوعية في وضع البرامج والتزام بتنفيذ الخطط و صون لحرية العاملين إذ لا شك أن شخصنة هذه المنظمات قد أسهم -بشكلٍ أو بآخر- في إعاقة قدرتها على القيام بمهامها كما أسهم في الحد من إمكانية اتساع أنشطتها لتتجاوز الإطار النخبوي إلى نطاق الجماهير، فمن المؤكد أن الإنسان الذي تسعى هذه المنظمات إلى تمكينه من حقوقه ليس فقط سجين أو المعتقل بل – وقبل هذا وذاك- المواطن اليمني أياً كان مستواه الاجتماعي، فالإنسان البسيط – هو قبل غيره- أحوج ما يكون إلى من يدرك واقع حقوقه و يأخذ بيده وينير بصيرته بما له من حقوق وما عليه من واجبات ويشعره بأهمية تفاعله الخلاق مع محيطه الاجتماعي كما يحتاج إلى من يخرجه من دائرة أزمة الثقة في نفسه وفي من حوله و إلى من يعزز شعوره بكرامته وكرامة من حوله، حتى لا يظل على حالته في الخضوع لمن هو أعلى منه مكانةً والإخضاع لمن يقع تحت رعايته.. ففي اعتقادي أن الأسلوب الدكاكيني الذي اتسمت به منظمات المجتمع المدني في بلادنا منذ إعلانها قد أثبت عجزه عن التعبير عن طموحات و آمال عامة الناس وإن تحققت بفضله بعض المكاسب لأرباب هذه المنظمات ممن قبلوا العزلة عن الجمهور مؤثرين البقاء في أبراجهم العاجية، فالكثير من هذه المنظمات التي تأسست بهدف خدمة المجتمع قد لا يعرف عنها أفراد المجتمع حتى تسمياتها أو أسماء رؤسائها، فلو تم وضع سؤال للجمهور من قبل أحد المعدين لأسئلة البرامج الرمضانية المعتادة عن بعض منظمات حقوق الإنسان العاملة في بلادنا أو من يرأسها فأغلب الظن أن المذيع سيبذل جهوداً مضنية من أجل الوصول إلى الفائز وقد يضطر – في نهاية المطاف- إلى تسريب الجواب لأحد البؤساء أو المحتاجين كما يحدث مع الأسئلة التي لا يتوفق المعد في تقدير مدى صعوبتها، إلا أن هذا لا يعني –بأي حالٍ من الأحوال- أن قادة منظمات حقوق الإنسان في بلادنا شخصيات مغمورة فأنا على ثقة بأنهم شخصيات ذائعة الصيت، ولكن في الخارج، نظراً لكثرت أسفارهم، فالأوقات التي يقضيها هؤلاء على متن الطائرات وفي عواصم الدول الأخرى تتجاوز بكثير أوقات تواجدهم في اليمن التي قد لا يرون منها أكثر من الشرتون ونوفمبيك، فكيف لهؤلاء أن يتلمسوا أوضاع حقوق الإنسان أو يسعوا لتعزيز هذه الحقوق خصوصاً و أن كل منظمة من هذه المنظمات – إن جازت التسمية- تبدأ وتنتهي عند شخص واحد هو رئيسها ومؤسسها وصاحبها ومالك عقاراتها في صنعاء وعدن وبيروت وباريس .. ولا تغريك كثرة المقرات، فقد لا تجد هذه المقرات من يفتحها في غير المناسبات، وقد ينسى بعض أرباب هذه المنظمات - ذات الطابع الإنساني- أن الهدف من وراء تأسيسها هو العمل على الارتقاء بحقوق الإنسان، وهذا الهدف هو المحك الرئيسي لنجاح هذه المؤسسات أو فشلها، وإذا كان الفساد محتمل الحدوث في أي مرفق أو منظمة فالمتوقع -في الوقت نفسه- أن تظل منظمات حقوق الإنسان أبعد ما تكون عن الفساد، فمن يقدم نفسه كوصي على حقوق الإنسان أمام الدولة وأمام الداعمين الدوليين نأمل أن لا ينتهي به المطاف إلى المتاجرة بهموم وآلام ومعاناة الإنسان و الاكتفاء بدور المحصل للهبات والمنح والمعونات، ومع العلم بأن هذه المنظمات قد نشأت – في الغالب- بجهود ذاتية مرتبطة بمؤسسيها، إلا أنها – في الواقع- ليست منظمات ربحية ومجال عملها ليس مجال لتحقيق الذات باسم خدمة المجتمع بقدر ما هو مجال للعمل الطوعي الإنساني بما يرتبط به من نكران الذات و التفاني في خدمة المجتمع، ولأن أنشطة هذه المنظمات ذات طابع طوعي فإن العمل في إطارها يقتضي الخروج من دائرة الإدارة الفردية، كما يستحيل حصره في إطار جماعة بعينها لأن من شأن هذا النهج أن يحيل منظمات حقوق الإنسان إلى مجرد فترينات للزينة عاجزة عن القيام بوظائفها التي تتطلب التوسع في الأنشطة و الاقتراب من أوضاع الناس وتلمس الحلول الممكنة للإسهام في تحسين حقوقهم، ففي الواقع نلاحظ غياب الدور الثقافي لمنظمات حقوق الإنسان الذي يأخذ بعين الاعتبار النظرة الشاملة لحقوق الإنسان و يهدف إلى الارتقاء بواقع حقوقه، وليس اجتزاء هذا الواقع أو مجرد رصد أخطاء السلطة واستغلال ما يتم رصده لمآرب خاصة كلما سنحت الفرصة. فمتى ستقوم هذه المنظمات بإعادة النظر في هيكلياتها وفي آليات عملها لتجاوز الشخصنة في العمل، وما يترتب عليها من اختزال المهام بما يقوم به صاحب المنظمة وإدارتها وفق ما يراه، حتى لا تتوقف وظائفها عند انشغال رئيسها أو في حالة وفاته – لا قدر الله- وفوق هذا وذاك، كيف لهذه المنظمات أن تدعو غيرها من الجهات والمؤسسات الرسمية والأهلية إلى العمل المؤسسي، باعتبار المؤسسية هي الطريق الأمثل لتحسين بيئة العمل بما توفره من مساحة حرية تقي الأفراد من مغبة الوقوع تحت طائلة التسلط والاستبداد بالرأي.. كما أن افتقار هذه المنظمات لمراكز أبحاث قائمة على أسس ومعايير دولية يقلل من جودة أنشطتها البحثية ويصبغها بصبغة العلاقات الشخصية، إن لم يكن بالطابع العائلي، مما يحرم هذه المراكز البحثية- إن وجدت- فرصة اصطفاء الكوادر التي تمتلك الكفاءة والأهلية لإجراء البحوث والدراسات العميقة التي يتطلبها واقع حقوق الإنسان كون الدراسات الميدانية هي الوسيلة المثلى لتشخيص واقع حقوق الإنسان وتحديد متطلبات النهوض به، إضافة إلى الدور المفقود لهذه المنظمات في رصد مستوى التزام الهيئات والمؤسسات الرسمية والشعبية بالقوانين والسعي لابتكار الآليات الفاعلة للحد من التجاوزات التي تتنافى مع حقوق الإنسان، لينتقل العمل الحقوقي من مجرد رصد الانتهاكات أو البكاء على الإطلال إلى مرحلة الحد من تلك الانتهاكات ومنعها قبل حدوثها، بما يعنيه ذلك من التحول النوعي المنشود في وظائف منظمات حقوق الإنسان فيرتبط نجاحها بمدى قدرتها على تحسين واقع حقوق الإنسان، كما أن المواطن اليمني أحوج ما يكون لتوعيته بحقوقه، من خلال وضع أجندة عمل يتم تنفيذها عبر القنوات الرسمية والأهلية مثل وسائل الإعلام والمنهج المدرسي والورش والندوات، وقبل هذا وذاك طرح منظومة القوانين على طاولة الدراسة والبحث للتحقق من مدى تلبيتها لاحتياجات الإنسان وتعبيرها عن مطالبه في التحرر من مختلف الظروف التي تمنع انطلاقه وتعيق تقدمه.