الأخلاق – وكما قال أحد الشعراء العرب في العصر الحديث - هي أساس بناء القدرات العلمية والمالية لدى بني البشر.. فالعلم والعالم إن افتقرا لمكارم الأخلاق أصبحا مفرغين تماماً من أهم المقومات اللأزمة لأن الأخلاق هي روح العلم وضمير العالم الإنساني وبدونها يصبح العلم بلا ضابط يكبح تهوره ويصبح العالم فريسة سهلة للأهواء والنزعات التي تسيء إلى الحياة الإنسانية.. بل وتعمل على تدميرها في كثير من الأوقات .. والشواهد على ذلك واضحة للعيان. فالعالم الذي قادت عباقرته الإنسانية الأخلاق النبيلة فيه وصل بالحياة البشرية إلى تحقيق طفرات علمية خدمت ولا تزال بني البشر على ظهراني المعمورة وليس أدل على ذلك من مخترعي الأدوية ووسائل النقل والتكنولوجيا المعلوماتية.. الخ. أما الآخر على الجهة المقابلة فإن العالم الذي قادت عبقريته الأهواء العدوانية المتفلتة فيه الفقيرة إلى الضابط الأخلاقي الصحيح الذي يوجهها ويحسن تهذيبها فإنه ساهم بل ولعب الدور الأكبر في إحلال الدمار والخراب وسفك دم البشرية رخيصاً على تراب المعمورة وليس أدل على ذلك من عنف العلماء المخترعين لأسلحة الدمار الجزئي والشامل.. الخ. والسبب هو افتقار هذه الفئة إلى مكارم الأخلاق الفاضلة التي تسمو بالعلم والعلماء إلى أوصاف عظماء الإنسانية.. فإذا ما ذهبنا إلى (المال ورجاله وأنشطته المتعددة) التي تختصرها لفظة (تجارة وتجار.. الخ) فإننا نجد أيضاً أن هذا الضابط الروحي والإنساني والعقائدي هو بمثابة روح العمل التجاري وضمير التاجر الحي بل والعامل الأكثر أهمية في توجيه المسار المالي والتجاري على الدرب القويم.. صحيح أن العلم هو حصن المال الحصين ووسيلة نموه وازدهاره ومواكبته للعصر.. لكن الأخلاق تظل بمثابة جوهر العملية ونقاء غاياتها وأساس بنيانها غير القابل للانهيار.. ولنا شواهد جمة على صدق المقولة.. وواقعنا مليء بنماذج تجارية بلغت شأناً عظيماً لأنها استطاعت ان تعمل وبكل قدراتها وامكاناتها على المحافظة على أخلاق المهنة الايجابية التي دعانا إليها ديننا الإسلامي الحنيف وأكد عليها هدي رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وهي في الأصل تلبي نداء الواجب الإنساني في التعامل مع العوام، ولا نريد أن نذكر جهات بعينها ومسمياتها هنا لا من هذه الفئة ولا من تلك التي بلغت شأناً مقبوحاً في تجارتها نتيجة ما سارت عليه من درب يفتقر إلى أبسط الأخلاق الكريمة ويفتقر إلى أبسط مشاعر الاحساس بالآخرين وكل ذلك بسبب عدم توافر الضابط والرقيب الأخلاقي.. لن نستطرد في ذلك كثيراً بقدر مانكتفي بدعوة التجار بمختلف نوعياتهم ان يتقوا الله في الناس ويجعلوا من الأخلاق الكريمة في تجارتهم أساساً لأداء رسالتهم في المجتمع.. فمثلما لهم حقوق فإن عليهم واجبات وأهمها عدم المتاجرة والمزايدة بأقوات المستضعفين والسواد الأعظم من أبناء الوطن الواحد ودعونا يامن أعطاكم الله سبحانه وتعالى بسطة في المال دعونا نذكّركم بالحقيقة التي لا ينكرها أحد أننا جميعاً فقراء إلى الله وأن ما بأيديكم من امكانات إنما هي اختبار من الله لكم فإن نجحتم ضاعف الله لكم الرزق والعطاء وإن فشلتم أخذكم الله أخذ عزيز مقتدر وأخص بالذكر هنا تجار السلع الأساسية والضرورية .. فالمواطن قد تجرع منكم الكثير من مرارات الغلاء والتلاعب في الأسعار، ولقد أرهقتم كثيراً كواهل محدودي الدخل والفئات الفقيرة والأشد فقراً مستغلين غياب الرقيب الأخلاقي والرقيب المختص حتى في أدنى المستويات .. وكم تفوح روائحكم التي تزكّم الجيوب قبل الأنوف وترهق القلوب مع حلول الشهر الفضيل رمضان الكريم شهر التقوى والرحمة والغفران والتقرب إلى الله بصالح الأعمال.. فهل أنتم واثقون من قدرتكم التي لا تضعف ولا تطالها يد العدل والإنصاف؟ (إذا دعتك قدرتك على ظلم الناس.. فتذكر قدرة الله عليك)..نعم أيها الإخوان.. إخواننا في الدين والوطن والدم والإنسانية.. هاهي وللأسف الشديد قد بدأت تلوح في الأفق بوادر التلاعب بالأسعار وبأشكالها المقبوحة وكأن بعض التجار يستقبلون من الآن شهر رمضان بصرخات الموطنين من الغلاء بلا أي سبب سوى الجشع الذي يتمادى بصاحبه فيصل به إلى الدرجة التي لا يخاف فيها حتى من الله والعياذ بالله.. ودعوني أضرب لكم مثلاً بسيطاً شاهدته ولمسته وسمعته (حدث أمامي) : أحد التجار في منطقتي الواقع متجره على الخط العام الذي يربط تعز بالحديدة باع ويبيع الكيس السكر لأصحاب المحلات الصغيرة بسعر (10600) ريال بينما يبيع تاجر آخر على مقربة منه الكيس السكر ومن نفس العينة بسعر (10200) ريال وبالمديرية المجاورة التي تبعد عنا حوالي (27 كيلومتراً) يُباع الكيس بسعر (9900) ريال ولكم ان تعرفوا فارق السعر وحجم التلاعب.. أين الرقابة ؟ أين السلطات المحلية تفتح عيونها على هذه الظاهرة وأين الضمير الأخلاقي ؟ ألا يتوجب علينا جميعاً الالتفاف صفاً واحداَ ضد ظاهرة التلاعب في الأسعار حتى لا يدخل شهر رمضان وتشتد حمى التلاعب كالمعتاد؟ ثم دعوني أسأل : إذا كانت جهات الاختصاص بالمديريات في التموين والتجارة والسلطات المحلية لا ترى مانراه نحن المواطنين ولا تكشف مثل هذه الظواهر التي تؤثر سلباً على معيشة البسطاء ؟ فماذا ترى إذن؟ وماذا تراقب ؟ ثم أليسوا مثلنا داخل محيط المديرية الواحدة يبتاعون المواد الغذائية ويقتاتون عليها سواء بسواء ؟ فالسكر واسطوانة الغاز ووزن القرص الروتي والقطعة الخبز وعدم توفيرها أو قلة إنتاجها في رمضان وأسعار اللحوم ومراقبة نوعية ما يُذبح والتلاعب في أسعار المواد والتباين فيها بين دكان وآخر.. وضبط المواد التالفة وضبط بائعيها.. الخ، أليس ذلك يستحق ولو قليلاً من الاهتمام.. على الأقل ترحيباً بالشهر الكريم؟ هذا مانتمناه وثقتنا كبيرة في أجهزتنا المختصة.