من الظواهر الخطيرة والمقبوحة في مجتمعنا تلك التي بدأت تأخذ طريقها إلى واقعنا وبشكل ملحوظ إلا وهي ظاهرة التنافس غير الشريف التي بدأت تسود في بلادنا بين أرباب التسابق الانتخابي سواءً في السلطة المحلية أو النيابية... الخ. صحيح أن هذه الظاهرة تعاني منها بلادنا من خلال سلوكيات وأفعال على مستوى الحزب أو مجموعة أحزاب تخوض معركة التنافس مع الحزب الحاكم.. ويكفينا دليلاً ما لمسناه من تلك الأحزاب وما صدر عنها على مدى معركة الانتخابات الرئاسية الأخيرة.. لكن أن يمتد وباء هذه الظاهرة إلى مستوى الفرد “الأفراد” الذين يخوضون تجربة الانتخابات كمرشحين ويبدأ طرفا التنافس بممارسة أقبح الوسائل وصولاً إلى غاياتهم المبتغاة. فهذا هو المؤشر على الكارثة بل إنه المصيبة العظمى التي تسيء إلى كل شيء جميل فينا وفي التجربة الديمقراطية نفسها”أخلاقياً وفكرياً واجتماعياً وإنسانياً..بمعنى أوضح أن المناخ الديمقراطي الذي تنعم بلادنا في ظل صانع الديمقراطية والوحدة اليمنية فخامة الأخ علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية «حفظه الله» أفسح المجال واسعاً لكل المواطنين من تتوافر فيهم معايير المرشح لكي يخوضوا التجربة على طريق المشاركة الشعبية في تأصيل الثوابت الديمقراطية ولكن بالطرق الشرعية والدستورية والأخلاقية والإنسانية حتى لا تطغى على التجربة ما يخدش صورتها وصورة اليمن شعب أصيل اختار هذا النهج قدراً وخياراً مصيرياً نقياً. وهذا ما نطلق عليه بالتنافس الشريف القائم على فتح مجالات واسعة من الثقة بين المرشح والناخب ومن الوفاء بكل الوعود الخدمية للمواطن مستقبلاً..أما ما يحدث هنا وهناك من تنافس مقبوح الفكر والسلوك إنما يعكس انتشار العدوى هذه من الأحزاب «البعض منها» التي نراها تبرر فشلها في الحصول على ثقة الناخب بأفعال انتقامية لا تخدم الصالح العام ولكنها تهدم ما استطاع إنجازه على الأرض الحزب المنافس الذي حاز على الفوز.. ليصبح معول الهدم شعار التنافس لدى الضعفاء.. ولكن المصيبة الأعظم والأقبح أن تصبح الظاهرة برنامجاًَ انتخابياً لدى البعض على مستوى الأفراد وبالتالي تتجلى المفارقة والمقاربة في آن معاً. فالناخب هو المواطن المراد التسيد عليه عن طريق الحصول على صوته والإساءة إليه أولاً هو ما يراه المقبوحون من أهم الوسائل التي تبررها غاياتهم المرجوة على طريق الفكرة القاصرة “إعلان الحرب على المواطن الطريق إلى استسلامه وهذا طبعاً بصورة مصغرة لما تفعله بعض الأحزاب أو الجماعات التي فقدت مصالحها بالديمقراطية فذهبت إلى التخريب والإرهاب وتشويه صورة الوطن انتقاماً وحقداً.. في دائرتي - وللأسف الشديد - قد بدأت معركة التنافس مبكرة قبل 27إبريل 2011م ولكن بالطريقة غير الشريفة بين الأشخاص المتنافسين والمواطن وحده من يدفع الثمن غالياً لأن فرسان المعركة لا يجدون غيره مستهدفاً وضحية.. الطرف (س): استطاع أن يهدي الدائرة جهداً كبيراً بذله فأثمر ذلك عن حصول الدائرة على اعتماد أعداد كبيرة من المواطنين كمستفيدين من صندوق الرعاية الاجتماعية. الطرف (ص): أخفق في هذا الجانب فلم يجد أمامه سوى الطعن في الكثير من تلك الحالات المستفيدة وبذل جل جهوده لحرمانهم مستحقاتهم المالية “الإعاشة” المعتمدة لهم منذ سنوات عديدة.. النتيجة: سخط شعبي كبير في أوساط الناس وانتشار الخوف والذعر من هذه المعركة التي يذهب ضحيتها المستضعفون. واقع الحال: الذي يجب أن يسود هو تسابق الطرفين في إضافة اعتماد حالات جديدة تخدم قوت المحتاجين “فالجميع في بلادنا بحاجة لذلك” وليس الإقدام على قطع أرزاق الناس والعبث بظروفهم والسخرية بها.. وفي دائرتي: نفتقر إلى مشروع مياه يغطي احتياجات الناخبين بالمدينة ولكن التنافس المحموم على إبقاء الحال كما هو عليه بل أسوأ هو ما ينذر بقدوم كارثة عطش كبرى لن تحمد عقباها.. وفي دائرتي: عجز المتنافسون عن العدول عما ذهبوا إليه من إصرار على قتل أي نشاط ثقافي وحتى عن إنجاز مشروع إسمنتي “قاعة ثقافية” تستوعب على الأقل احتفالاتنا الشعبية بأعيادنا الوطنية.. وفي دائرتي: يبدع أحد الأطراف في بذل الجهود لدى جهات الاختصاص بهدف انتشال واقع المشفى الوحيد بها “الحكومي” من حالته السيئة ولكن الآخر يبدع أيضاً في إبطال وإفشال النجاح ليبقى الحال كما هو عليه وعلى المواطن أن يتقبل هذا الواقع رغم أنف أبي ذر.. وفي دائرتي: وصلت ذروة التنافس السيء الذكر إلى “راتب” المواطن الموظف مدرساً كان أو عامل نظافة في مكتب الأشغال فالطرف “س” يعمل جاهداً على دعم بعض الموظفين وصولاً بهم إلى التكريم مثلاً وإن كان على حساب آخرين مستحقين، والطرف “ص” سرعان ما تثور قيادته فيطعن في البعض الآخر من باب أداء الوظيفة والحرص الكبير على حرمانهم رواتبهم قوت أطفالهم ووسيلة عيشهم الكريم.. وفي دائرتي: وفي دائرتي، وفي دائرتي.. فمضمار المعركة أكبر مما تتوقعون.. فالتوظيف يخضع لمجريات هذا التنافس والتلاعب بالأسعار والعبث بأراضي الدولة والحفاظ عليها.. حتى كيس القمح والأرز والسكر وعلب الزيت الممنوحة من الجمعيات الخيرية أو قيادة الحزب الحاكم في شهر رمضان تتوزع وفق مجريات هذه الظاهرة التنافسية العفنة.. والمحزن والمؤسف بل والباعث على البكاء وعلى الضحك أيضاً كونه شر البلية أن المتنافسين في دائرتي ينتمون لحزب واحد وكأن المواطن في دائرتي قد كتب عليه الشقاء على أيدي رجالات حزبه الذي يبادله الوفاء ويمنحه ومرشحيه كل الثقة والتقدير.. فيا أيها العقل السديد ويا منطق الحكمة الرشيد بأي ذنب سقطت حالات الضمان الاجتماعي التي تم حرمانها.. هل لأن أحوالها المعيشية تحسنت فصارت لا تستحق؟ وهل يعمل قانون بها؟ ألا يوجد في مصلحة شئون القبائل مشائخ أغنياء لهم مستحقات مالية معتمدة؟ مثلاً فقط وبأي ذنب يعم الجمود الثقافي الدائرة والحرب الضروس ضدها؟ وبأي ذنب يظل مشروع المياه حكراً ولم يراع فيه الصالح العام؟ وبأي ذنب يدفع المدرسون قوت أطفالهم بل ويضيع البعض منهم للأبد؟ هل هذا أيها القادمون إلى مستقبلنا بالتسيد علينا وفق وسائلكم المقبوحة؟ عودوا إلى رشدكم فالمواطن قد صار أكثر وعياً بمصلحته؟.