أخذت المشكلات والخلافات التي شهدتها المرحلة الماضية إلى اللحظة الراهنة الكثير من الاهتمامات، وانصرفت نحوها الجهود الفكرية والمادية والكثير من الطاقات تستنزف وتستهلك في غير محلها في مناخات تسودها المشاكل والفوضى، وكل ما يثير غبار القلق والخوف وعدم الاستقرار وكل ذلك يكون على حساب متطلبات التنمية وحاجات الناس.. حتى أصحاب الحاجات أنفسهم انشغلوا بما يحدث فأشغلهم عن قضاياهم، وعن أعمالهم والتزاماتهم التي لا تقبل بالتأخير ولا بإشراكها مع غيرها من الأمور في دائرة الاهتمام الأولى. في مجمل القول لقد انعكست سياسات الشد والجذب بين القوى السياسية ومارافقها وتخللها من تصرفات وأفعال وتصريحات وأقوال سلباً على كل الجوانب والمستويات، ومن المؤكد ان انشغال الناس والمسئولين في ظل الفوضى والخلافات والصراع ليس مستغرباً من حيث المبدأ فهو نتيجة طبيعية لتلك الأوضاع، لكن من المهم أن نقارن بين حقيقة الأحداث وحجم الانشغال لنكتشف هل تسير الأمور بشكل معقول وهل هناك من توازن بين الاثنين في ظل المعطيات القائمة.. استطيع أن أجزم بان الخلل كبير في هذه القضية وقد فاق كل التوقعات والاحتمالات.. لقد انشغلنا جميعاً أكثر مما ينبغي وحملنا من الهموم الناجمة عن الأوضاع في البلد فوق طاقتنا وكل ذلك على حساب أشياء أخرى تركناها تمضي وتتعثر وتتحرك وتقف وتكبر وتصغر بعيداً عن اهتمامنا ووصلت إلى ماوصلت إليه ونحن في قبضة الانشغال والهموم الموجهة نحو ما يشغلنا.. هذا الأمر ليس سلباً كله طالما كانت الهموم من أجل وطن والانشغال عليه لكني أوكد على ضرورة التوازن الذي لم يعد قائماً في الواقع والاختلال هو السلبي وهو الذي فتح أبواباً للشر على حين انشغال الناس العامة منهم والخاصة إلى درجة الحيرة واختلاط الأمور والتباس الحقائق. واحد من أسباب هذا الوضع هو التصوير الإعلامي الخاطئ لحقيقة الأوضاع والفهم الفردي والجماعي لما يدور في الساحة وفق قراءات خاطئة أعطت صورة مضللة وأنجبت الكثير من الإرباك والخوف من المصير المجهول فالفهم الشخصي لحقيقة الأوضاع والفهم الذي يعتمد على ما يقال ويكتب في وسائل إعلام تنتهج سبل الإثارة والمبالغة وتعظيم الأحداث كل ذلك أصاب المجتمع بحالة إحباط بدت دلالاته واضحة على وجوه الناس وفي تعاملاتهم اليومية وتعاطيهم مع بعضهم فزادت المشكلة تعقيداً. أعتقد أننا بحاجة ماسة لمواجهة الفهم الخاطئ بشتى مصادره أولاً، ثم الحفاظ على مساحة توازن كافية بين حقيقة الأوضاع السائدة ودرجة الانشغال بها خصوصاً انشغال الجهات المسئولة التي بانشغالها تتفاقم المشكلات والقضايا وتكبر وتخرج عن مسارها الطبيعي، ولأن انشغال تلك الجهات وتراجع أداؤها يقنع المتشككين بأن الأمور لم تعد طبيعية ولذلك فان أحسن طريقة للرد على أولئك تكمن في حل قضايا الناس ومشكلاتهم أولاً بأول والالتفات إلى همومهم والعمل على معالجتها وكلها مقدور عليها إذا لم ننشغل عنها وإن لم يأسرنا الإحباط الكاذب وبين هذا وذاك لا يخلو المكان من مستفيدين رأوا في هذا الوضع فرصة سانحة لتمرير أحقادهم على المجتمع ومن أجل مصالح تنتعش في زمن الفوضى والهموم ولابد من الوقوف بقوة ضدهم حماية لمصالح البلد والعباد.