لو كان العقل السليم في الجسم السليم لكان الحمالون هم سادة التثقيف وفلاسفة الكون ومصابيح الهدى، والعكس صحيح فلو كان الجسم العليل ضد العقل السليم لما استمتعنا بكتابات (باسكال) وتعرفنا على إبداعات ستيفن هوكينج في الفيزياء الكونية؛ فالأول أي (بلزيك باسكال) يعتبر من الفلاسفة الفرنسيين المرموقين، ومن الذين كانوا خلف تطوير نظام الكمبيوتر، بالإضافة إلى حل معضلات رياضية كما هو في حسابات المخروط القطعي. وكان (باسكال) مريضاً طول عمره ومات صغير العمر، وكان يصل إلى الأفكار اللامعة وحل المعضلات الرياضية في نوبات حادة من ألم البطن، ولا يستبعد أن الرجل كان مصاباً بالزحار وعلاجه اليوم بابتلاع بضع حبات ولكن هذه الحبات تحتاج قرونا من التطوير الحضاري. وأما الثاني فهو رجل مشلول الأطراف الأربعة مع عضلات الحلق ويستطيع أن يحرك أصبعين من يده اليسرى كما يتحدث عن طريق كمبيوتر صوتي مركب إلى حنجرته وسبب مرضه كان حثلاً عضلياً مترقيا استولى على أطرافه وصعد إلى عنقه وكاد أن يموت فيه وكل المصابين بهذا النوع من الأمراض يموتون في سن مبكرة ولكن الله مد في عمره لينفع العباد. و(ستيفن هوكنج) هذا هو الذي أتحفنا قبل عدة سنوات بكتابه (قصة قصيرة للزمان) حيث قلب العديد من المفاهيم الرياضية الكونية عن الثقب الأسود مثلاً. ولعل القارىء يريد أن يعرف ما هو الثقب الأسود؟ لقد عرفنا من الوجود أن كل الكائنات لها أعمار ولكل أجل كتاب ومنها الشموس والكواكب فإنها لا تشذ عن هذا القانون الإلهي وهذا يعني أن شمسنا سوف تموت في يوم من الأيام وهي حسب معلوماتنا الحالية أمامها من العمر حوالي خمسة مليارات من السنين. ويعرف الفلكيون أن نهاية كل كوكب تختلف عن آخر حسب حجمه وإذا كان حجم النجم المنطفىء يقارب حداً معيناً فإنه ينسحق تحت ثقل جاذبيته وإذا تلاحق هذا العمل فإنه يتحول إلى ثقب مرعب يشفط في عمق جاذبيته كل ما يدور حوله بما فيه جزئيات الضوء ومن هنا كان الثقب الأسود شبيهاً بقط أسود يلتهم في ليل بهيم كل شيء فيشربه شرب الهيم. فلا يشعر من حوله إلا وقد ذاب في أحشائه. ونرجع إلى ما بدأناه عن العقل السليم وأين يوجد؟. إننا في الصيام نتأرجح بين الأكل والامتناع عنه وفي هذا الوسط من الحركة بين قطبين تكون الحياة أفضل ما يمكن. بكلمة أخرى إن المريض قد يكون عادياً وعبقرياً وإن كان بعض العبقريين مرضى فإن سيد الخلق محمد "ص" لم يكن مريضا حاشاه مثل ستيفن هوكينج أو باسكال فلم يعرف المرض سوى الحمى التي جاءته مع سكرات الموت. والعكس صحيح أي إن العقل السليم قد لا يكون مع من صحت أبدانهم وهكذا فنحن أمام قسمة رباعية: مريض الجسم رائع الفكر وصحيح البدن متألق العقل أو مريض الجسم ومنهك الدماغ وصحيح البدن وفارغ التفكير، تافهاً مملا. وأفضل الأنواع هو من جمع بين صحة البدن وروعة العقل وهي نعمة كبيرة لمن أنعم الله عليه. ولكن علينا هنا أن نحرر هذه النقطة وهو أن من ركبهم هم نهضة الأمة ودخلوا نضالاً طويلاً قد يصابون بعلل شتى من فرط التوتر والجهد والمعاناة وقرحة المعدة وارتفاع الضغط أو حتى الشلل وإن كان ليس شرطا فليس مثل الرسول "ص" من جاهد وكاد أن يهلك نفسه من أجل هداية الناس حتى خاطبه الوحي: "فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا". إذا حررنا هذه النقطة قلنا إن الصيام يلعب على هذا الوتر فيدخل إلى نظام الغذاء ليحرره من علة ويخفف عليه أدران الطعام حتى يتنشط العقل "وما جعل عليكم في الدين من حرج".