( 2) هناك العديد من التقنيات التي استخدمها القرآن في عرض زمن القصة القرآنية منها :- 1/ القطع: تقنية القفز على زمن معين او استحضار أزمنة أخرى ونجد هذا في القصص القرآنية بشكل واضح في قصص الأنبياء حيث يتم القفز من زمن القصة إلى الخاتمة في الآخرة خصوصا في السور التي تناولت القصة بشكل مقتضب كما في سورة النازعات والعنكبوت اللتين لم تفصّلا في قصة موسى (عليه السلام) كما فصّلت سورة طه او القصص ..وتظهر خاصية القطع ايضا في استحضار مفردات زمنية غائبة تخدم القصة ليست على ترتيب القصة ففي قصة موسى (عليه السلام) مثلا في سورة الاعراف ذكرت السورة زمنين متعاصرين في وقت واحد فلقطة هارون مع قوم موسى (عليه السلام)اثناء ذهاب موسى (عليه السلام) إلى ربه وما دار بينهم من جدال حول العجل وهو نفس الجدال الذي فصلته سورة طه تداخلا مع لقطة السامري في نفس الوقت لقطة موسى (عليه السلام) مع ربه وأخذه الالواح وطلبه رؤيته الله وما يمكن ان نطلق عليه عبارة (وفي تلك الاثناء) لتعاصر الحدثين تقوم القصة باستحضارهما معا في خاصية القطع . 2/ الحذف: يتناوب الحذف والقطع على تجاوز أحداث لا تفيد القصة بشيء والقفز مباشرة إلى قلب التوتر في القصة والتخلص من الهامشيات التي لا تخدم القصة في شرحها بشيء ففي قصة موسى (عليه السلام) مثلا في سورة طه انتقل الحديث مباشرة من موقف حديث موسى (عليه السلام) مع ربه إلى موقفه في قصر فرعون ثم قفزه إلى يوم الزينة وكثير من القصص تقوم على هذه التقنية بحيث يكون الخلط بين تقنية الحذف والقطع لخدمة أغراض القصة من حيث الإيجاز . 3/ الوقفة: على النقيض من تقنية الحذف القطع كانت الوقفة وهي امتداد الزمن لوضعية معينة قد تأخذ من الزمن قطعا كبيرا كان او صغيرا لكن القصة القرآنية وقفت معها طويلا شارحة اوضاعها لهدف معين هو إبراز هذا الحدث كمحور مؤازر في حركة القصة والملاحظ على هذا الحدث انه لا يتكرر مع تكرر القصة في سورة اخرى ( فلا يظهر هذا الحدث الا مرة واحدة) ومثال على ذلك قصة مؤمن آل فرعون الذي فصلته سورة غافر ولم يظهر ثانية في كل السور التي تناولت قصة موسى (عليه السلام)وكذلك قصة العبد الصالح مع موسى (عليه السلام) في سورة الكهف .. حتى يمكن اعتبارهما كقصتين منفصلتين عن قصة موسى (عليه السلام)، و كذلك قصة النمرود مع نبي الله ابراهيم (عليه السلام) في سورة البقرة وغيرها من الفروع في القصص الكبرى. 4/ الخلاصة: اختزال الحدث والقفز منه إلى العبرة المطلوبة منه لأن المناط بالقصص القرآنية هو العبرة تصديقا لقولة تعالى {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }يوسف111 وليس التركيز على الحدث هو المطلوب بقدر اخذ العبرة، واذا كان كذلك نجد القصة القرآنية في هذه النقطة لا تفصّل بل تمر مر الكرام بشكل مختصر آية او آيتين.. الهدف هنا إبراز هدف معين تسوقه القصة منذ البداية خصوصا في السور التي ذكرت عدداً كبيراً من الأنبياء كسورة الانبياء أو سورة مريم. 5/ التواتر: هذه التقنية نجدها في قصص الرسل على مستوى القرآن الكريم كله كالتالي:- يروي أكثر من مرة ما حدث مرة واحدة : قلب القصة نفسها فقد حدثت مرة واحدة لكن القرآن رواها أكثر من مرة. يروي أكثر من مرة ما حدث أكثر من مرة : عناد الكافرين لرسلهم فقد حدث أكثر من مرة ورواها القرآن أكثر من مرة. يروي مرة واحدة ما حدث مرة واحدة : قصة طلب موسى رؤيته الله سبحانه وتعالى فقد حدث مرة واحدة ورواها القرآن مرة واحدة. يروي مرة واحدة ما حدث أكثر من مرة : رد الرسل على أممهم فقد كان رداً واحداً على لسان كل رسول لكنه حدث أكثر من مرة. 6/ اختراق الزمن نلاحظ ذلك في قصة صاحب الجنتين في سورة الكهف كالتالي :- جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ (ماضي قريب) فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ(حاضر) خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ (ماضي بعيد) قُلْتَ مَا شَاء اللَّهُ(حاضر) وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ (مستقبل).