(2) نلاحظ أن هناك قصصاً في القرآن الكريم لم تكرر ولعل الأبرز في ذلك قصة يوسف عليه السلام فلماذا لم تكرر هذه القصة بالذات ؟ يقول صاحب الإتقان (أن فيها تشبيب النسوة به وحال امرأة ونسوة افتتن بأبدع الناس جمالا فناسب عدم تكرارها لما فيه من الإغضاء والستر وقد صحح الحاكم في مستدركه حديث النهي عن تعليم النساء سورة يوسف . ثانيها أنها اختصت بحصول الفرج بعد الشدة بخلاف غيرها من القصص فإن مآلها إلى الوبال كقصة إبليس وقوم نوح وهود وصالح وغيرهم فلما اختصت بذلك اتفقت الدواعي على نقلها لخروجها عن سمت القصص . ثالثها قال الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني : إنما كرر الله قصص الأنبياء وساق قصة يوسف مساقا واحدا إشارة إلى عجز العرب كأن النبي قال لهم إن كان من تلقاء نفسي فافعلوا في قصة يوسف ما فعلت في سائر القصص . وظهر لي جواب رابع وهو أن سورة يوسف نزلت بسبب طلب الصحابة أن يقص عليهم كما رواه الحاكم في مستدركه فنزلت مبسوطة تامة ليحصل لهم مقصود القصص من استيعاب القصة وترويح النفس بها والإحاطة بطرفيها . وجواب خامس وهو أقوى ما يجاب به أن قصص الأنبياء إنما كررت لأن المقصود بها إفادة إهلاك من كذبوا رسلهم والحاجة داعية إلى ذلك لتكرير تكذيب الكفار لرسول الله فكلما كذبوا أنزلت قصة منذرة بحلول العذاب كما حل على المكذبين ولهذا قال تعالى في آيات (فقد مضت سنة الأولين (الانفال38) (ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن( الانعام6) وقصة يوسف لم يقصد منها ذلك وبهذا أيضا يحصل الجواب عن حكمة عدم تكرير قصة أصحاب الكهف وقصة ذي القرنين وقصة موسى مع الخضر وقصة الذبيح ، والحق أن قول الإمام السيوطي تشبيب النسوة به وحال امرأة ونسوة افتتن بأبدع الناس جمالا ينافي جمال اللفظ القرآني وتأدبه حتى في شرح أكثر المواضع إحراجا بما لا يخدش الحياء العام فبتعبير راق ٍ ما ذكره القرآن عن علاقة الرجل بزوجته فقال تعالى (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ( الأعراف 189) لاحظ لفظة ( تغشاها) وما فيها من رقة وتأدب عال . ولعل قول السيوطي في الأسباب الباقية ما فيه مناسب .. أما عن حكمة عدم تكرير قصة أصحاب الكهف وقصة ذي القرنين وقصة موسى مع الخضر وقصة الذبيح فيلاحظ الدكتور فضل حسن عباس أن القصة التي ذكرت أكثر من مرة في كتاب الله كانت ذات صلة وثيقة بقضية الدعوة إلى الله تعالى، فقصص أولئك الأنبياء الذين تحملوا المشقة ولاقوا العنت، وهم يدعون أقوامهم كنوح وهود وصالح وإبراهيم ولوط وشعيب وموسى عليهم الصلاة والسلام، أما التي ذكرت مرة واحدة لم تكن تتحدث عن مجال الدعوة، وعما كان بين الأنبياء عليهم السلام وأممهم، وما لاقاه هؤلاء من أولئك، إنما كان حديثها في مجالات اجتماعية، وجوانب إنسانية، وقيم خلقية. ومنها قصة يوسف عليه السلام و كذلك قصة موسى عليه السلام مع العبد الصالح التي جاءت في سورة الكهف، وقصة موسى مع قومه في دخول الأرض المقدسة التي جاءت في سورة المائدة، ومع قومه في ذبح البقرة إلى جانب أن في القرآن الكريم قصصاً لغير الأنبياء، أو لمن اختلف في نبوتهم لم تذكر إلا مرة واحدة في كتاب الله، كقصة ذي القرنين، وما كان من حديث لقمان لابنه، ونبأ ابني آدم وقصة أهل الكهف وخبر المائدة التي طلبها الحواريون ونبأ أصحاب الجنة الذي جاء في سورة (ن). ولعل القصة الوحيدة التي خرجت عن هذه القاعدة فذكرت أكثر من مرة وليس لها صلة مباشرة بالدعوة والدعاة، قصة آدم عليه السلام ، ولكن إذا عرفنا أن قصة آدم أبي البشر جاءت تحدثنا عن النواحي الفطرية والجوانب الرئيسة في حياة الإنسان، وعن الاستعدادات والغرائز التي تتكون منها طبيعته، إذا عرفنا ذلك أدركنا السر الذي ذكرت من أجله قصة آدم في أكثر من سورة.