خلال شهر رمضان المبارك، لم نكن لنكمل الإفطار حتى ترن الهواتف معلنة وقوع هجوم جديد يستهدف جنوداً هنا وهناك؛ تركزت معظم هذه الهجمات، خاصة خلال الأسبوعين الأخيرين في محافظة أبين. وكأن المهاجمين أرادوا إرسال رسالة للجميع هي ألا حرمة للشهر الكريم ولا لغيره، فالقتل صار شيئاً سهلاً؛ لكأن الواحد من هؤلاء يشرب ماءً، حتى إن الكثيرين يتساءلون ما إذا كان المهاجمون يصومون رمضان أم لا؟!. ذكّرني ذلك بما قاله لي أحد الإخوة في منطقة لودر بمحافظة أبين إنه كان يشاهد بعض المسلحين الذين يهاجمون الجنود في المعارك الأخيرة التي شهدتها المدينة وهم يشربون الماء في النهار ويطلقون صيحة «الله أكبر» قبل أن يرمون بما لديهم من أسلحة ضد الجنود. وأحد الزملاء بمدينة زنجبار في المحافظة أبدى لي قلق سكان المدينة وخوفهم من وقوع هجمات أثناء الصلاة في المساجد أو في الأماكن العامة؛ بعد أن تحولت المساجد والأماكن العامة مثل الأسواق إلى أهداف للمسلحين، الذين يهاجمون الدوريات العسكرية ويفرّون. وكانت حادثة مقتل ال 12 جندياً واحتراق جثثهم داخل إحدى الحاويات في هجوم ضدهم أثناء تناولهم الإفطار في نقطة الري بمدينة جعار مؤخراً بشعة جداً؛ فهي جريمة أثارت قلق الناس، خاصة أن الجنود لم يكونوا في مهمة قتالية حتى يتم قتلهم بهذه الطريقة الوحشية!!. أخشى أن تتحول ثقافة القتل بعد صلاة المغرب، والاعتداءات على المساجد بالهراوات والأسلحة بعد صلاة الفجر، كما حدث أمس في أحد مساجد محافظة ريمة، فضلاً عن المعارك في بعض المساجد في مختلف مناطق البلاد لأسباب مختلفة؛ جزءاً من ثقافة تتسرب إلى مجتمعنا لتحل بديلاً للغة التسامح التي ميزت اليمنيين طوال ارتباطهم بالإسلام منذ أكثر من 14 قرناً. صحيح أن كثيراً من القيم تغيرت، وأن كثيراً من الصفات الجميلة التي كانت تميز المجتمع اليمني، والمجتمع العربي عموماً قبل سنوات قد اختفت، إلا أن أحداً لم يكن يتصور أن الخلافات، بما تحمله من مظاهر الاعتداءات، سواء بالقتل أم بغيره، تمتد إلى داخل المساجد في مختلف مناطق البلاد. على علمائنا الأفاضل أن يخرجوا من صمتهم ليقولوا رأيهم فيما يجري اليوم عوضاً عن بقائهم أسرى منازلهم والمساجد التي يصلّون فيها، فلا خير في عالم يصمت عن جرائم كهذه؛ لأنه سيكون أول المساءلين أمام الله عن هذه الجرائم يوم القيامة. عوضاً عن تمجيد القادة والتودد إلى المسؤولين؛ على العلماء الأجلاء أن ينزلوا إلى الناس ويقوموا بتوعيتهم بمخاطر المظاهر الجديدة التي تجتاح حياتنا ومساجدنا، لدرجة تحول فيها البعض إلى عصور الجاهلية وما قبل الجاهلية!!.