هاهي الأمة الإسلامية تودع شهر رمضان، رمضان الذي كنا بالأمس القريب نستقبله، وهانحن وبهذه السرعة نودعه، مرَّ علينا وكأنه دقائق أو بضع ساعات، ومرت الأيام المعدودات وكأنها غمضة عين أو ومضة برق، ولم يبق منها إلا أيام فاصلة ،فخلال هذا الشهر المبارك عشنا أياماً مباركة تعلمنا فيها الدروس، التحقنا بها كما التحق بها جميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها رغبة وأملاً في الحصول على التقوى : “لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ “ يترتب عليها تحديد هدف ، أو أهداف يسعى كل واحد منا لتحقيقها0 وتعلمنا فيها أنجع الدروس وأبلغ المواعظ، تعلّمنا كيف نقاوم نزغات الشيطان، تعلمنا كيف نقاوم هوى النفس الأمارة بالسوء، تعلمنا كيف ننبذ الخلاف والبغضاء وأسباب الفرقة ونحيي التسامح والتصالح والحوار فيما بيننا . ولئن كان قد بقي لنا في رمضان كلام فهي دعوة وتذكير كما أكدتُ في السابق , هي دعوة للجميع أن يجتهدوا في الساعات المتبقية فيختموا شهرهم بالحسنى؛ فالأعمال بالخواتيم، ومن أحسن فيما بقي غفر له ما مضى ، ومن أساء فيما بقي أخذ بما مضى وما بقى. وخير ما ننشغل به هذه الأوقات هو الاستغفار وطلب العفو من العزيز الغفار، فإنه ختام الأعمال الصالحة، به ختم الله الحج فقال: “ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ” ،وبه ختم قيام الليل فقال: “الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ” ،وكان النبي صلى الله عليه وسلم يختم به صلاته فيقول: “أستغفر الله. أستغفر الله.. اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام”.وأمر الله نبيه أن يختم به حياته فقال: “فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً”. فموسم التقوى وإن بدأت ايامه بالعد التنازلي لرحيله فإن الصيام لا يزال مشروعًا في غيره مِن الشهور، فقد سن المصطفى صلى الله عليه وسلم صيامَ يوم الاثنين والخميس، وقال:” إن الأعمال تعرض فيها على الله، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم”، وأوصى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أبا هريرة رضي الله عنه بصيام ثلاثة أيام من كلّ شهر وقال: “صوم ثلاثة أيّام من كل شهر صوم الدهرِ كلّه” ،وأتبِعوا صيام رمضان بصيام ست من شوال، يقول عليه الصلاة والسلام: “مَن صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر”، ولئن انقضى قيام رمضان فإن قيام الليل مشروع في كل ليلة من ليالي السنة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم : “إنّ الله ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر ويقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟. وأحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل، والمغبون من انصرف عن طاعةِ الله، والمحروم من حرِم رحمةَ الله، والخطايا مطوقة في أعناق الرجال، والهلاك في الإصرارِ عليها، وما أعرض معرض عن طاعتِه إلا عثَر في ثوب غفلته، ومن أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبينَ الخلق، كما يجب ان نعلم وإن ودعنا شهر رمضان المبارك بعد الإقبال على الله والإكثار من الأعمال الصالحة فينبغي أن لا نودع صالح العمل بعد رمضان، بل يجب أن تبقى آثار الصيام شعاراً متمثِّلاً في حياة الفرد والأمة، وما أعطاه الصيام من دروس في الصبر والتضحية والإذعان لأمر الله والوحدة والتناصر والتضامن والألفة والمودة بين أفراد هذه الوطن في مواجهة الفتن ، بل يجب أن نستمر عليه وتبقى متجسدةً في حياتنا العملية بعد رمضان، وما تدنى واقع الأمة وأصيب المسلمون بالوهن في أنفسهم والضعف أمام أعدائهم إلا لمّا تخلّوا عن أعز مقوّمات نصرهم وسيادتهم، وهو الدين الإسلامي الحق فما يمكنني القول لكم في وداع موسم التقوى : حافظوا على ما اكتسبتموه في شهر رمضان، حافظوا على هذه الثروة الروحية، هذه الذخيرة التي اكتسبتموها خلال هذا الشهر الكريم، ولا تضيعوها، ظلوا على صلتكم بالله عز وجل، ظلوا متمسكين بهذا الحبل المتين، ظلوا على هذا الصراط المستقيم، قارئين لكتاب الله، مقبلين على بيوت الله، ، واصلين للأرحام بارين للوالدين معاهدين للجيران، ولا تكونوا كالذين لا يعرفون الله إلا في رمضان . نسأل الله عز وجل أن يكون حظنا من هذا الشهر الكريم طاعة مقبولة ونية صالحة وتوبة نصوحاً وعزيمة صادقة على أن يكون يومنا خيراً من أمسنا وغدنا خيراً من يومنا . ونسأله عز وجل أن يتقبل منا فيه الصيام والقيام وأن يجعلنا فيه من عتقائه من النار كما نسأله أن يعيده علينا وعلى وطننا وأمتنا الإسلامية بعز وخير وأمن وأمان وقرب من الرحمن إنه سميع مجيب.