ليس أجمل من كلمة طيبة تنطق بها شفتاك ويؤمن بها قلبك وتزكيها يمينك بالعطاء غير المنقوص دون أن تشوبه شوائب المن والأذى والنكران. حين مررتُ مسرعةً للتسوق قبل أيام استوقفني مشهدان أحدهما لمتسولين صغار ناموا على الرصيف تعباً وألماً وجوعاً وأجزم أن جميعكم يشاهد هذا كثيراً في رمضان.. والمشهد الآخر رجال المرور الذين تغلي جماجمهم في عز الظهيرة كما يقولون وهم يطلبون لنا السلامة بتنظيم سير لاينتهي. في المشهد الأول ظهر الأمر قاسياً عليّ جداً فطلبت مساعدة أصحاب المحال التجارية للتعاون معاً لضمان كسوة عيد لأولئك الأطفال فكان التجاوب كبيراً جداً بقدر ماكان مخزياً من البعض ولازلت أؤكد أن البسطاء دائماً أفضل إحساساً بسواهم من الناس وأنا أتمنى أن تكون هذه الفكرة التي طرحتها أكبر وأشمل فنعمل على نشر فرحة العيد في قلوب الجميع.. هل سينقص من عمر ناشئ؟!! هل ستنتهي أموالنا؟! بالتأكيد أن الفرحة في قلوبنا ستكون أعمق وستكتب لأولادنا عافية المال والبدن وسيزيد الله الرزق وهذا أمر مجرب مفروغ من الكلام فيه . أؤمن باستمرار أن السعادة تنبع من الداخل ولاتأتي من الخارج لأن مصدرها الروح المفردة بينما تكون الجماعة مرآةً لهذه السعادة وعليه فإن انتشار الايجابية السلوكية يبدأ بأفراد ثم يحدث التأثر بهم من قبل آخرين وهكذا.. ولقد تمنيت أن يجرب الشعور بالايجابية أولئك الذين حرموا منها طويلاً. المشهد الآخر الذي دغدغ أربطة مشاعري وهز إحساسي كمسلمة ومؤمنة تشعر بالرضا والسلام الداخلي ؛ ذلك الشاب في أكثر من جولة للمرور يقوم بتوزيع أكياس صغيرة من التمر وزجاجات الماء المثلج لأفراد الجولات من الشرطة المرورية كان قلبي فرحاً ولكن عيني دامعة.. محظوظ هو الانسان الذي يقذف الله في قلبه حب الناس واحترامهم وتقديم المساعدة لهم مهما كانت بسيطة . أردت القول لو أن كل جار أعان جاره في كسوة طفل أو طفلين أو منحة من المال مايكفيه لإدخال السرور على أهل بيته لكان عيدنا مختلفاً عن أعياد مرّت لم نطرق باب جار ونحن نملك ولم نعطِ محتاجاً وفي أيدينا مايكفي لنا وله. لو أننا نعيش التعاسة في عيون الأطفال حين يستيقظون صباح يوم العيد عرايا من البهجة حفاة من الفرحة لايملكون إلا الجلوس أمام منازلهم يغمرهم الحزن وهم يرقبون أقرانهم في حُلةٍ جديدةٍ بينما ينام هؤلاء ويستيقظون بلباس الفقر والحاجة .. لو أننا شعرنا بهم فقط للحظات لمنحناهم الكثير مما نخشى أن ينفد ونحن في غفلة من قول الله تعالى: (ماعندكم ينفدُ وماعند الله باق) صدق الله العظيم (سورة النحل) . إن ذرة العطاء التي نقدمها اليوم ستكون جبالاً في ميزان الآخرة فلا تبخلوا ولو بالقليل ولاتتحججوا بحالة (الطفر) التي عمت وطمت لكن هناك فرق أيضاً بين من يبيتُ بأحشاء خاوية يشكو البرد والجوع والألم ومن يعيش متسربلاً بنعمة الستر.. أنفقوا كثيراً حتى من ذلك المقسوم لأن الإنفاق شكرٌ للنعمة واعتراف بوجودها.. إنها زكاة الستر والعافية وراحة البال.. وعلى كل حال فأنا على يقين أننا مجتمع يعاني من سوء ترشيد الدخل والإنفاق معاً فنحن للأسف نفتقد السير على ميزانية معينة في ما ننفق ولو أننا فعلنا ذلك ما عم الغلاء ولازاد الوباء ولاكثر الفقراء في مجتمعاتنا وهي مجتمعات مسلمة الأصل في بنائها التكافل والتعاضد. كما أن الزكاة أيضاً مفروضة لإحداث البركة والزيادة للغني وتفريج كربة الفقير، فكما أن الربا يمحق فإن الزكاة ترْبِي وهذا أصل ثابت من أصول العطاء في ديننا الحنيف . كنتُ بدأت عن إشراك الآخرين في فرحة العيد.. المتسولين صغاراً وكباراً.. جيراننا.. العاجزين عن إدراك العالم من حولهم(المجانين) ذوي الاحتياجات الخاصة , الأقربين الذين لم نقم بحقهم كما ينبغي وكثيرين لانفكر حتى برؤيتهم يبسمون . أثلجوا صدوركم هذه الأيام بمعية البركات النازلة من السماء وأنفقوا من أحسن ماتحبون لأن نفقاتكم ستصل على جناح اللحظة إلى ملك الملوك ليضاعفها أضعافاً كثيرة لكم أنتم. ألا تطمحون لبيوت لايطرق أبوابها طغاة أو جبابرة؟!! ألا تحلمون بالسكينة التي لايأتي بعدها الخوف؟! ألاتريدون الجلوس بمعية الفوز وأنتم ترون وجه الله كما يرى أحدكم البدر في ليلة تمامه؟! يالهذه الحياة , تسير بقوة الموت وتتوقف بقوته.. كلها فناء ومع هذا نعطيها مالا نعطي للأخرى حيث الخلود الذي لايخاف العدم.