الإنسان مختبئ تحت لسانه , والكلمة تكلف الإنسان أحياناً مصيره إن لم يكن حياته , والإنسان كائن اتصالات بمعنى أن التواصل بين البشر هو الذي يمنح القيمة والكرامة والمنزلة الاجتماعية. وأعظم جهاز عند الإنسان هو جهاز التفكير والنطق. ولكن النطق خطير، والكلمة هي أول مانزل بها الكتاب : اقرأ باسم ربك الذي خلق. والفكرة هي اجتماع حروف، وأقسم الله بالقلم ومايسطرون من أفكار. واجتماع الأفكار هو المنظومة المعرفية وعلّم الإنسان مالم يكن يعلم , وكان فضل الله عليك عظيما. عندما ينطق الإنسان يكشف محتويات دماغه أي أن اللسان أشبه بشاشة الكمبيوتر ويبقى الدماغ هو ذلك الصندوق المغلق الحافل بالأسرار الحاوي للبرامج فإما كانت لعب أطفال أو انسكلوبيديا عملاقة ولكن النطق هو الذي ينقل الكلمة من عالم الغيب من الدماغ والأفكار إلى عالم الشهادة بالنطق والتعبير والكلمة المقروءة أو الشاشة المرئية. وقصة البطتين والسلحفاة تروي خطورة النطق في المكان غير المناسب وهذه حكمة بالغة لمن كان له قلب. أي أن فيض الحكمة يظهر أين ينطق المرء وبماذا ينطق. وهناك ثلاث حكم جديرة بالذكر وهي أن لاينطق الإنسان إلا المفيد وما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد. ولايكتب إلا ماهو مسئول عنه أمام أي دائرة أمنية وكل صغير وكبير مستطر. وعندما يكتب يجب أن يذيله باسمه الكامل بغير سرية واسم مستعار، وثالثاً يجب أن يدرب لسانه على النطق المرتبط بالدماغ فيتجنب الهذرمة و(جعلكة) الكلام وينتبه إلى طبقة الصوت فلا يكون خفيضاً غير مسموع ولايزعق في وجه الناس ؛ إن أنكر الأصوات لصوت الحمير. وأرجع إلى القصة فعند غدير ماء جمعت الصداقة بين سلحفاة وبطتين وفي يوم غِيضَ الماء وجفت المنطقة عزمت البطتان على المغادرة فجاءت لتوديع صديقتهما السلحفاة. قالت السلحفاة ولكن لاعيش لي إلا في الماء أو قريباً منه فهل لكم بأخذي في هذه الرحلة فنكسب الصحبة ولا نفترق فإنما الناس عند البلاء , وذو الأمانة عند الأخذ والعطاء , والأهل عند الفاقة والإخوان عند النوائب. قالت البطتان : صدقت وأحسنت القول ولكن كيف سنحملك في مسافة بعدت فيها الشقة. قالت السلحفاة فلنفكر سويةً فلا عقل كالتدبير وتأتي الأفكار الرائعة بالعقل الجماعي. ثم تفتقت حيلتهم أن تعمد البطتان إلى عود قاسي يتحمل ثقل السلحفاة فتمسك البطتان من طرفي العصا ثم تطيران بالسلحفاة التي عضت بقوة على العصا. قالت البطتان ياصديقتنا الغالية إن النطق أحياناً قاتل فإياك أن تقولي شيئاً ونحن نطير بك المسافات ونحلق في الأعالي. وعدت السلحفاة بذلك. فلما كانوا فوق سوق المدينة كان المنظر رائعاً أخاذاً فتجمهر الناس يتأملون هذا المنظر الفريد إنها سلحفاة لايلحقها أرنب تطير على عود وهي أبطأ الكائنات. نسيت السلحفاة نفسها ففتحت فاهها وقالت : قاتلكم الله وأي ضير في هذا؟ , فهوى بها الريح في مكان سحيق فماتت.