يكذب من يقول إن صراع الأديان وتصادم أتباعها قد انتهى وولّى زمانه، وبدأ عصر جديد عنوانه حوار الأديان وتعايش الديانات، وكذب أيضاً من يقول إن حرية المعتنق متاحة أمام الجميع دون أية عقبات أو عوائق من صنع أتباع الأديان الأخرى، فالدين لله، وأن الحرية الدينية من أقدس وأثمن حقوق الإنسان ويحرم المساس به أو إكراهه على اتباع دين معين. والدليل على زيف هذا القول ما يتعرض له المسلمون في الدول غير الإسلامية في الغرب والشرق من ضغوط واضطهاد وتقييد لحرياتهم الشخصية وممارسة كافة أنواع الإساءة إلى دينهم ومقدساتهم والتي وصلت حد الإساءة إلى رسولهم الكريم وكتابهم المقدس والمساس بقيمهم ومحرماتهم الدينية بدءاً من الرسوم المسيئة إلى الرسول الأعظم صلوات الله وسلامه عليه، ومروراً بمنع النساء المسلمات من ارتداء الحجاب، وصولاً إلى فرض حظر على بناء مآذن للمساجد والحد من بنائها، وانتهاءً بالتلويح بإحراق القرآن الكريم والمجاهرة بذلك كما هو الحال مع القس الأمريكي سيئ الذكر (جونز) الذي ألفّ كتاباً اعتبر فيه أن القرآن الكريم كلام الله ووحيه الأمين كتاب المسلمين المقدس هو من الشيطان!!. وذهب أبعد من ذلك حين سوّلت له نفسه الآثمة وحقده الدفين على الإسلام وكراهيته المفرطة للمسلمين إلى الدعوة جهاراً لجعل يوم الحادي عشر من سبتمبر يوماً عالمياً لإحراق القرآن الكريم، وعزمه على إحراق مئتي نسخة من القرآن إحياءً لذكرى أحداث سبتمبر المشؤوم، واختار ساحة الكنيسة التي يتزعمها في ولاية فلوريدا الأمريكية مسرحاً لهذه الفعلة الشنيعة والمنكرة دون أي اعتبار لمشاعر مليار ونصف المليار مسلم ولردة فعلهم تجاه هذه الجريمة التي أزمع على ارتكابها وانعكاساتها على الأمريكيين ومصالحهم أولاً قبل غيرهم من مسيحيي العالم. صحيح أن القس الأمريكي المهووس لم ينفذ تهديده نتيجة الضغوط التي مورست ضده من قبل الإدارة الأمريكية وحالة الاستياء والاستنكار والرفض التي قوبلت بها دعوته، والانتقادات اللاذعة التي وصفته بالأحمق والمجنون والمعتوه وغيرها أكان من داخل أمريكا أو من خارجها من مسيحيين ومسلمين؛ إلا أنه أوصل رسالة وكشف عن مدى الحقد والكراهية والعدائية للإسلام والمسلمين؛ ورسالة يجب أن يفهمها المسلمون جيداً ويدركوا فحواها ويحسنوا قراءتها وأن يكونوا واضحين وأقوياء في الدفاع عن دينهم، وألا يسمحوا بالمساس بمقدساتهم وقيمهم تحت مبرر حرية الرأي والتعبير وألا تكون فزاعة الإرهاب التي رفعتها أمريكا مبرراً للإساءة إلى رسولهم وقرآنهم ومساجدهم ووسيلة للانتقاص من قيمهم وحقوقهم وحرياتهم. فالدين الإسلامي يرفض التعصب والتطرف بكل أشكاله، ويحرم الإرهاب أياً كان، والدين الإسلامي يدعو إلى التسامح والمحبة والسلام والتعايش والإخاء وحرية الأديان، فلا إكراه في الدين، فلنا ديننا ولهم دينهم، ولا يكون المؤمن مؤمناً حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، فالإيثار وحب الخير للجميع من قيم الإسلام ومبادئه وتعاليمه التي يتقيد بها كل مسلم عرف الإسلام حقاً ويقيناً، والإيمان بالكتب السماوية ورسل الله وملائكته مقرون بالإيمان بالله تعالى، وأول أركان الإيمان.. هذا هو ديننا الإسلامي وقيمنا الإنسانية وأخلاقنا الإسلامية ومبادئنا التي نؤمن بها ونقدسها، وهذا ما يأمرنا به ديننا الحنيف. فنحن خير أمة أخرجت للناس بفضل تعاليم ديننا وما أمرنا به، ويجب أن نكون كذلك ونجسّده قولاً وسلوكاً في كل الأحوال وتحت جميع الظروف، فالإسلام كل لا يتجزأ، وهذا ما يجب أن يعرفه الجميع عنا وعن ديننا. فالإرهاب والتطرف والمغالاة ليس من أخلاقيات المسلم وسلوكياته، فنحن أمة الوسطية والاعتدال كما أمرنا الله ورسوله، ومن انتهج الإرهاب وعمل به وأعان عليه فليس منا.. ولو كان من كبار علمائنا.