جاذبية الوحدة وقوتها تكمن في عبقرية التنوُّع، واللا مركزية التي تسمح بالمشاركة والتساوي في الحق والواجب وسيادة النظام والقانون هي الوسيلة المثلى لمحاصرة دوائر الانتفاع الصغيرة التي تجرجر الوطن إلى محارق الموت والدمار. حقاً إن حلحلة الوضع ليست سهلةً، ولكنها مُتاحة بهمة الرائين القابضين على جمرة الحقيقة، وخاصة المُلتبسين بالسُلطة وإمكانياتها، فالسلطة أداة سحرية يمكنها أن تصنع المعجزات إن توفّرت الإرادة. اللا مركزية بالمعنى الواسع للكلمة، ليست مفهوماً واحداً، ولا نموذجاً وحيداً، بل إن نوع اللا مركزية يتناسب مع تركيبة المجتمع الموروثة من أساس التاريخ والجغرافيا، فصُنّاع القرار السياسي ليسوا مُطالبين باجتراح مآثر أو مسميات جديدة، أو خرائط مبتكرة لمحافظات خارج تلك التسميات والخرائط المعروفة في اليمن شماله وجنوبه وشرقه وغربه. بل عليهم أن يعيدوا الاعتبار لموروث التاريخ والجغرافيا الذي يتخصّب بالآليات العصرية، حيث تتفتّق العقول والقلوب عن تنمية واسعة للقابليات والأفضليات، وحيث ينحسر الاحتكار والتسلط، وحيث يستشعر الجميع بأنهم منصرفون لإعادة إنتاج واقعهم اليومي بسويّة مادية وروحية. ثقافة السلم والمحبة والتآخي تنبع أساساً من وعي اجتماعي يستطرد على وجود عادل، وعلى العكس بالنسبة لثقافة الكراهية والتنافي العدمي التي تصدر عن وجود مجتمعي تنحسر فيه الحقوق، ويصبح الواجب فيه عبئاً ثقيلاً على من لا منبر له في مراتب القبائلية المشوّهة، والمتلاقحة مع المؤسسة العصرية قسراً. قديماً كان المتصوّف اليماني ينشد قائلاً: على العقيق اجتمعنا نحن وسود العيون والإشارة هنا واضحة، فالعقيق نموذج فريد للواحدية في التنوع لطيوف الألوان اللا متناهية التي تقف على حد الفرادة والوحدة، فهل ندرك تلك العبقرية حتى نخرج من متاهات الموت؟!.