قبل يومين صلينا صلاة الجنازة على طفل لم يكمل الثالثة عشرة من عمره وقد ظننت أن موته – رحمه الله – بسبب مرض كحمى الضنك أو الملاريا ولكن أحد المصلين أخبرني أن السبب مسدس مذخر كان في يده أو بيد أخيه انطلقت منه رصاصة لترديه قتيلاً .. وأذكر قبل سنوات أنه حضر أحد الإخوة عرساً في قرية أخرى وكان أعزلَ لم يحمل أي سلاح فأصر شيوخ القرية على إكرامه وقلدوه رشاشاً آلياً رغم رفضه واعتبروا رفضه إهانة فاضطر إلى حمل السلاح والرمي بواسطته إلى الهواء جرياً على العادة ولكنه أثناء الزحمة تعثّر وسقط ويده على الزناد فحصد في لحظة ثمانية أشخاص ما بين قتيل وجريح، وأصيب هو بصدمة أفقدته صوابه وكانت النتيجة كارثة. ما تجري من عادات يعتبرها البعض أنها أصل الفحولة والرجولة مشكلة حقيقية جوهرها ثقافة العنف المتأصلة في الوعي الجمعي للمجتمع، فما إن يقف الطفل على قدميه حتى يسرع به والده إلى محل التصوير ليصوره وهو يحمل الجنبية والرشاش ليحمّله منذ الطفولة مسئولية الحفاظ على التراث، وأصبح المسدس هدية النجاح .. والسلاح هو “عَدَل” التحكيم لحل مشكلة قد يكون السلاح نفسه هو الذي تسبب بها. إن ظاهرة حمل السلاح هي التي تقف وراء كثير من الكوارث وهي التي تؤجج عادة الثأر, وهناك قرى في بلادنا – وللأسف – يحاصر أهلها ولا يغادرونها خوفاً من الثأر، بل إن سكانها يتناوبون النوم وقد ينام أحدهم ويده على الزناد والأسوأ أن يتم قتل من لا ذنب له إلا أنه من نفس القبيلة وانتشرت مقولة “القاتل أو ابن عمه” .. لا أدري ما ذنب ابن عمه, والله تعالى يقول “ولا تزر وازرة وزر أخرى”. وإذا كانت وزارة الداخلية قد عممت وأكدت منع حمل السلاح والتجول به في المدن فإن ذلك الإجراء لابد أن يوازيه عدة إجراءات منها: - حملة توعوية للتنفير من حمل السلاح والنظر إلى حامله بأنه بعيد عن الحضارة ويجب أن تشارك في هذه الحملة المدارس والصحف بالإضافة إلى الإعلانات التلفزيونية التي تبرز مضار حمل السلاح واستعماله. - إلغاء اعتبار السلاح «عَدَل» أثناء التحكيم والاستعاضة عنه بأي شيء آخر حتى لا يظل مستقراً في الذاكرة واللاوعي أن هذا السلاح هو أهم شيء. - تغليظ العقوبة لمن يحمل السلاح من غير الأمن والقوات المسلحة والذين يلبسون الزي العسكري وتحريم السلاح على العسكري إلا بالزي العسكري. - تنفيذ حملة دعائية عبر وسائل الإعلام وخاصة التلفزيون الذي يصل إلى المنازل لتوعية الآباء بخطورة جعل السلاح جائزة لتفوق الطفل أو تركه أمامهم. إن إحصائية ابتدائية لضحايا السلاح في بلدنا ستوضح مدى فداحة الخسائر التي يتكبدها الوطن والمواطن فأنا أزعم أن الذين يقتلون بالخطأ وبسبب الإهمال في استخدام السلاح أكثر من الذين يقتلون في جبهات القتال. إن الشيطان يسكن فوهة البندقية في أغلب الأحوال ويتحول إلى رصاصة قاتلة في صدر بريء. وكثير من الذين يحملون السلاح يكونون أقوياء وحمران عيون طالما وهو يتمنطق بالسلاح ويحمله في جنبه أو على كتفه فإذا نزع عنه أصبح كالدجاجة, وإذا كان الآباء يثقون في أبنائهم فإنهم لا يجب أن يثقوا في الشيطان.. وكفانا قبْيَلة مسلحة, فالقبْيَلة أخلاق وكرم ونجدة بعيداً عن مخزن السلاح المتحرك, والله الموفق.