احتفلت بلادنا مع دول العالم في العاشر من هذا الشهر بالذكرى السنوية ال (62) لنشر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان, الذي اعتمد ونشر على الملأ بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 217 ألف (د- 3) المؤرخ في العاشر من كانون الأول ديسمبر 1948 م .وقد احتوى الإعلان على ديباجة و(30) مادة نصت على حقوق الإنسان.انطلاقا من أن حقوق الإنسان في أفضل مفاهيمها هي تعبير مشترك وموحد لجميع طموحات الشعوب في العيش بحرية وأمان في عالم تسوده العدالة والسلام وكرد طبيعي لظاهرة العنف والقمع والفقر المدقع وانعدام الأمن الذي يعيش العالم فيه تحت وطأة هذه الآفات. وقد شهدت اليمن في ميادين حقوق الإنسان تطورات متسارعة منذ قيام الجمهورية اليمنية في عام 1990م.حيث ارتكز النظام السياسي على الديمقراطية والتعددية السياسية والحزبية وحرية الرأي والتعبير والتأسيس لعمل مدني حيث تجاوز عدد منظمات المجتمع المدني (7000) منظمة تعمل في شتى المجالات. كما شهدت اليمن إجراء انتخابات برلمانية ومحلية ورئاسية عديدة، وبرزت الصحف الحزبية كحق دستوري وقانوني مكفولٌ لكل حزب، وتعزز دور الصحافة الأهلية سواء بدعم ما كان قائماً أو ما استحدث منها، وكفلت التشريعات الوطنية المساواة في الحقوق والواجبات العامة بين المواطنين دون أي تمييز بسبب الجنس أو العقيدة. ولأهمية الارتقاء بالآليات الوطنية المعنية بحقوق الإنسان وضرورة إيجاد جهاز فني وإداري فاعل ومتكامل توكل له مهمة تنسيق الجهود الحكومية في هذا المجال وكذلك خلق وتعزيز قنوات التنسيق والتعاون مع المنظمات غير الحكومية والهيئات الدولية جاءت التوجهات الجادة للقيادة السياسية الحكيمة ممثلة بفخامة الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية وذلك بتخصيص حقيبة وزارية في عام 2003م تعنى بحقوق الإنسان, وقد مثّل تأسيسها الجهاز الحكومي الرئيسي المعني بحماية حقوق الإنسان وتعزيزها تتويجاً لجهود عدة سبقت تأسيس الوزارة ومراحل تطور الآليات الحكومية المعنية بتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها مند إنشاء لجنة الحقوق المدنية والسياسية بموجب قرار رئيس مجلس الوزراء رقم (95) لسنة 1997م كأول لجنة حكومية ركزت مجال اهتمامها على الحقوق المدنية والسياسية وصولاً إلى إنشاء اللجنة الوطنية العليا لحقوق الإنسان بموجب القرار الجمهوري رقم (20) لسنة 1998م الذي تم تعديله بالقرار الجمهوري رقم (92) لسنة 1999م لتصبح الهيئة الوطنية الرئيسية المعنية بحقوق الإنسان، وتعززت تلك الجهود بقرار تعيين وزير دولة لشؤون حقوق الإنسان في عام 2001م وبعد استحداث هذا المنصب تم إعادة تشكيل اللجنة الوطنية العليا لحقوق الإنسان بموجب القرار الجمهوري رقم (89) لسنة 2001م ليرتفع مستوى تمثيلها وتصبح برئاسة رئيس مجلس الوزراء وأوكلت المهام التنفيذية لوزير الدولة لشؤون حقوق الإنسان الذي أصبح أميناً عاماً للجنة، رافق ذلك التطور إنشاء جهاز فني “ لجنة فرعية دائمة “ تابع لها ضمت في قوامها ممثلين عن أعضاء اللجنة العليا .. وأوكلت إليها مهام تنسيق ومتابعة إعمال اللجنة. ومن خلال هذا التطور الواسع يمكننا القول ونحن نحتفل بهذه الذكرى العالمية إن بلادنا قد حققت الكثير والكثير في مجال تعزيز وحماية حقوق الإنسان بدءًا من تطوير نظام حكمها القائم على الديمقراطية وتعزيز مبدأ سيادة القانون، وضمان حرية الرأي والتعبير، وحرية تبادل المعلومات، وحق تكوين الأحزاب السياسية والتداول السلمي للسلطة عبر انتخابات حرة ونزيهة، وتطور نظام الحكم المحلي نحو اللامركزية الإدارية، وضمان استقلال القضاء، وبناء منظومة تشريعية ضامنة لمختلف هذه الحقوق، وتفعيل مبدأ الثواب والعقاب، ومكافحة الفساد، والتوسع في نشر ثقافة حقوق الإنسان، وخلق تفاعل لدى الجهات المعنية بشكاوى المواطنين حول أي انتهاكات أو مطالب حقوقية، وفتح الباب واسعاً أمام إنشاء وتكوين منظمات المجتمع المدني الروح النابض لحقوق الإنسان في المجتمع، وفتح آفاق تعاون واسعة مع المنظمات الدولية العاملة في مجال حقوق الإنسان توجت بالتوقيع على 57 اتفاقية ومعاهدة دولية ترتبط بحقوق الإنسان، بالإضافة إلى التعامل بجدية مع مختلف التقارير الدولية حول أوضاع حقوق الإنسان في بلادنا وغيرها من الإنجازات التي تعتبر مؤشراً واضحاً لما وصلت إليه بلادنا في هذا المجال.. وبالتأكيد أن هذا لا يعني بأننا قد وصلنا إلى درجة الكمال، وإننا قد حققنا المستحيل، فنحن ما نزال في بداية الطريق، وما يزال أمامنا الكثير لتحقيقه، وتظل هذه التطورات تشوبها أوجه قصور محدودة في التطبيق كونها تمثل تجربة ناشئة، وهي بحاجة إلى وقت حتى تتجذر بصورة حقيقية وكاملة في المجتمع، ولكننا نفاخر بأن لدينا الإرادة والنية الصادقة للاستمرار في هذا النهج حتى النهاية وهذا هو المهم. ونتمنى من خلال هذه المناسبة أن تعمل وزارة حقوق الإنسان على زيادة الوعي بمبادئ حقوق الإنسان لدى المجتمع، ولدى العاملين في مختلف المؤسسات الأمنية والقضائية ، مع إدراكنا الصعوبات التي تواجه عمل الوزارة من خلال قلة الاعتمادات المرصودة لتنفيذ البرامج والأنشطة الأساسية التي تقوم بها في جوانب التدريب والتأهيل والتوعية والتثقيف والنشر والإعلام، وغيرها من الأنشطة، فهي ستظل تحديات ماثلة أمام تحقيق الوزارة لطموحاتها الرامية إلى الارتقاء بحقوق الإنسان من خلال التمكين السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي لكافة أفراد المجتمع..والله الموفق. [email protected]