لا شيء يغتال الإرادة مثلما تفعل ثقافة انتقاص الذات, ولا شيء يصنع مجد الشعوب مثل الثقة بالنفس والإيمان بالذات, ولا شيء أسرع في هلاك الأمم من تفشي العصبيات التي تغشى الأبصار عن رؤية كل ما هو جميل وعظيم فتئد كبرياء الشعوب وعنفوانها, وتدفن إرادتها في ظلمات الهزائم الوهمية التي تغرسها بترويج اليأس.. ولأن العظماء وحدهم من يصنع التاريخ ، يحتدم الصراع البشري مع الفاشلين والمفسدين في الأرض الذين يرفضون استلهام دروس العظمة فيجنون كل إمكانياتهم لجر الجميع إلى حضيض بؤسهم, وعجزهم وثقافتهم الآسنة التي لا تجد حيلة للظهور أمام المجتمع سوى مزاولة الكذب والتضليل لإيهام الناس بأن لا أحد خارج دائرة الفشل, واغتيال إرادتهم وأمانيهم بثقافة اليأس وانتقاص الذات. قد يقترب الواقع اليمني من ذلك اللون من الصراع, ونصطدم كثيراً بثقافة الانتقاص من كل ما هو قائم من رصيد حضاري وإنساني, وبمن يقطع الطرق أمام أحلام الشباب وأمانيهم إلى الدرجة التي يطلب فيها أستاذ جامعي من الطلاب ترك التعليم؛ لأنهم لن يجدوا فرص توظيف, منطلقاً من جهله المطبق بأن العلم هو بالأساس بناء لشخصية الفرد قبل أن يكون سبيلاً للتوظيف! وبالقياس على ذلك النموذج للقوى الفاشلة, وما يمكن أن تمارسه من أدوار في تعميم ثقافة القنوط، كان الانزلاق إلى مدارج التطرف والإرهاب والتخريب، وكان أيضاً منعطف الجنوح نحو الجريمة والرذيلة والفوضى التي تروج لها تلك القوى على أنها تمرد على الواقع الفاسد، في الوقت الذي هي انحطاط في الثقافة الفاسدة, وتضليل عن الصراط القويم الذي يفضي إلى مراتب المجد والسمو للنفس والوطن على حد سواء. إن التحدي الذي يواجه المجتمع اليمني لا يكمن في وجود تلك الفئة من الناس, وإنما في ضعف وهشاشة الوسط البيئي المتكفل بتنشئة الجيل الجديد.. ففي ظل تفشي الأمية والجهل بين نسب عالية من الأسر يكون من الصعب علينا الركون على حصانة ثقافية مفترضة.. كما أن غياب المؤسسات المجتمعية التفاعلية تضاف كعامل آخر، ناهيكم عن الخصائص الفسيولوجية للمراهق التي يكون فيها محباً للإثارة والمغامرة والأدوار الخطرة. لا شك أن الحياة جميلة بحد ذاتها،غير أن الفرد هو من يعقدها عندما تتمالكه الهواجس والشكوك، والعصبيات التي تحجب بصيرته عن الحقيقة الكاملة, وتغرقه بهموم بعض جوانبها المعتمة, وتقطع طريق طموحاته وآماله، فتجعله أميراً لحالة اليأس والعجز, خاصة في ظل وجود القوى الآنفة الذكر التي تهول كل شيء أمام الفرد بقصد إيصاله إلى قناعة بأن ما يصبو إليه أكبر بكثير من قدراته وإرادته, وبالتالي عليه رفع الراية البيضاء والاستسلام للعجز. إننا كآباء مطالبون بتعزيز ثقة أبنائنا بأنفسهم وقدراتهم وتنمية إرادتهم بالقدر الذي يمنحهم القوة والتحدي لبلوغ أمانيهم وتحقيق تطلعاتهم .. فتثبيط هممهم لن يجعلهم إلا مشروعاً لحياة مستقبلية بائسة لا تخلو من عواقب الانحراف والشذوذ والتورط مع الجماعات الخارجة عن القانون. نحن مسئولون عن تسليحهم أولاً بالقيم الفاضلة النبيلة، وثانياً بالأمل في المستقبل, وترسيخ ثقافة التفاؤل في نفوسهم, وعمل كل ما من شأنه الحيلولة دون تسلل اليأس إلى صدورهم لحمايتهم من خطر السقوط لقمة سائغة بأيدي العديد من القوى الانتهازية والفاسدة التي تستثمرهم في مشاريعها الخاصة سواءً كانت سياسية أم إجرامية أم غيرها فهي لا تكترث إطلاقاً لمصيرهم بقدر ما يهمها بلوغ مآربها, كما هو الحال مع الجماعات الإرهابية التي تغسل أدمغة المراهقين بأفكارها وتدفعهم لتفجير أنفسهم فيخسروا حياتهم لتجني هي بالمقابل ثمن ذلك.. والأمر ذاته مع بعض التيارات السياسية التي تزج بالمراهقين في صدامات، بينما قادتها يحصدون في المقرات المكسب, فيما ابناؤهم يتمرغون بالنعيم في ملاهي أوروبا .. فالحياة صناعة ذكية يخسرها الأغبياء فقط!!