كانت قفزة قصيرة ولمسافة لا تزيد عن أربعين متراً، ولكنها كانت في علم التكنولوجيا وعلم الطيران قفزة هائلة نوعية، فلأول مرة استطاع الإنسان أن يركب أمواج الهواء مسابقاً الطيور. كان ذلك يوم 17 ديسمبر من عام 1903م الساعة العاشرة ونصف وخمس دقائق, ومن بدأها كان أورفيل رايت على ساحل المدينة الصغيرة الأمريكية كيتي هاوك، وكان ذلك التحليق الأول من نوعه على نحو مضبوط وبموتور فوق أجنحة صناعية. وما بين الأربعين متراً من التحليق وإرسال الباثفايندر إلى سطح المريخ لمسافة 400 مليون كم, أو القفز إلى القمر لمسافة 400 ألف كم, يعتبر تطورا حاسما في تاريخ سرعة الإنسان، فبعد أن بقي لالآف السنوات لا تزيد سرعته عن سرعة الحصان، تطور إلى قدرة اختراق نطاق الجاذبية الأرضية بصواريخ وأقمار وكالات الفضاء بسرعة 18 ميلاً في الثانية. وما زال الأمر مذهلاً بعد مرور مائة سنة على خرق ثقل الجاذبية والقفز إلى أجنحة الفضاء كما نرى أنفسنا أحيانا كذلك في المنام. كيف استطاع أخوان حرفتهما لا تزيد عن تصليح الدراجات وبدون شهادة هندسية أن يحققوا حلم الإنسان القديم في اعتلاء ظهر الهواء بدون خوف السقوط موتا كما حصل لعباس بن فرناس العربي؟! كيف نجحوا فيما عجز عنه جهابذة العلم وحاملو الشهادات العريضة؟. والجواب: إنها العبقرية والاهتمام أو لنقل عبقرية الاهتمام والوسط والتطور الحضاري وقليل من الحظ والمال. وعندما سمع العالم خبر الأخوين رايت قالوا إنه حديث مفترى وأنه لا يزيد عن كذب وادعاء. ولكن الأخوين بعد فترة قصيرة كانا يقومان بتحليقات كبيرة فوق باريس. واليوم وبآلية الحذف والإضافة وصل الطيران إلى درجة أن يعبر العالم من أقصاه إلى أقصاه. وما زال حتى اليوم من يعتقد أن الأخوين صادفهما الحظ لا أكثر ولا يمكن أن يكون اثنين بدون شهادات أقرب للأميين يتكسبان عيشهما من تصليح البايسيكل أن يصلا إلى خرق معرفي من هذا الحجم. ولكن التاريخ يذكر أن الأخوين المذكورين وخاصة منهما أورفيل أنه اشتغل على المشروع سنوات عديدة، وبتجارب منوعة، ودرس أفكار كل من اشتغل في الطيران، وانتبه إلى أن الألماني ليلينتال كان قد أخطأ في حساباته، وكان المذكور قد قام بمشروعه في الطيران ولكنه سقط وقتل. وأثبت هذا الشيء المتقاعد الطيار كين هايد الذي قام بمشروع مثير في بناء طائرة تشبه التي بناها الأخوان رايت والتحليق بها بمناسبة مرور مائة عام في نفس الموعد من عام 2003م القادم في نفس المكان. ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء مايمسكهن إلا الله إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون؟ أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمن إنه بكل بكل شيء بصير؟.