في المساء اتصل بي أحد الزملاء الأصدقاء وأخبرني بأنه مسافر إلى القرية لأن والده بصحة سيئة ويأمل أن يصل ووالده بخير ,وبعد انتهاء هذه المكالمة اتصل بي صديق آخر يخبرني عن وفاة أحد أبناء (الاعبوس) الطيبين فأحزنني الخبر كثيراً وقلت: لقد خسرنا واحداً من أصحاب الابتسامات الجميلة ,وقلّ أن تجد هؤلاء في زماننا هذا المكتظ بالعبوس ,الراحل الطيب كان يقنعك من أول وهلة تتعرف إليه بأنه صاحب قلب طيب وابتسامة جميلة في زمن ليس بالجميل.. ذهبت إلى النوم وأثر الخبر في نفسي فرأيت في منامي أن (فلاناً مات) وفي الصباح استيقظت على صوت رسالة في التلفون يخبرني فيها المتصل الأول بأنه وصل إلى القرية وقد مات والده عباس شمسان القرشي واحزنني أكثر ,ويكفي أنه والد صديقي لأحزن وإن كنت لم اتعرف عليه مباشرة فقد تعرفت عليه وعرفته من خلال سجايا وصفات صديقي وهي تدل على الكثير من النبل والنقاء قلت في نفسي: مابال أخبار الموت هذه الساعات تتوالى فامتدت يدي إلى زر (الراديو) لتفتحه وأنا شارد في التفكير في اخبار الموت ,وإذا بي اسمع من صوت المذيعة في إذاعة صنعاء نبرة حزن وهي تقرأ بيان نعي لراحل جديد.. ألزمت نفسي بالاستماع لأعرف تفاصيل البيان وإذا بها تقول: رحم الله الاستاذ والإذاعي الكبير عبدالباسط المبرزي ,فأضاف هذا الخبر إلى نفسي حزناً إضافياً وسمعت صوت الراحل يأتي من اغوار الذاكرة وتذكرت صوته وبرامجه التي كان يقدمها منذ زمن كانت علاقتي بالإذاعة وطيدة وبالأخص مع البرامج التي يعدها أو يقدمها عبدالباسط المبرزي رحمه الله.. كانت اعماله رائعة وصوته يشدك للاستماع لما يقول وأحسب أن الوسط الإعلامي والإذاعي تحديداً قد خسر صوتاً جميلاً وإعلامياً من طراز رفيع واسأل الله أن يشمل الجميع برحمته .. ذهبت لأصلي الجمعة وأنا أجول بتفكيري بين ثلاثة أخبار عن الموت وعن أخبار الموت التي تأتي كل ساعة عبر نشرات الأخبار في الإذاعات وفي الفضائيات جراء الحوادث والكوارث والحروب وحكايات من كل نوع تكون حصيلتها (قتل عدد وجرح عدد) وأكثر الأحداث التي تحصد الأرواح من صنع البشر وإن كان الموت بإذن الله وحده لا شريك له.. أسباب الموت كثيرة لاتحصى لكن أهم وأخطر الأسباب هي تلك التي يقترفها الإنسان بحق الإنسان.. هناك من يموت نتيجة خطأ طبي وهناك من يُقتل في خلاف لايستدعي استخدام أدوات الموت وهناك من يقتلون في دوامة الصراعات والحروب وهناك من يُقتلون في حوادث مرورية يتسبب فيها سائق متهور لايحترم قواعد المرور وأنظمته .. قبل أن أصل إلى المنزل عائداً من صلاة الجمعة بالأمس عبرت الشارع المحدد بأنه اتجاه واحد فالتفت إلى الجانب الذي يفترض أن تأتي منه السيارات وعبرت وفي منتصف الشارع كدت أن اقع ضحية سائق جاء من الاتجاه المعاكس والمخالف إلى حد الجريمة فكتب الله عمراً جديداً ومع كل هذا التفت إليه وهو يصرخ في وجهي وكأني أنا من خالفت قواعد السير والمرور ,وهكذا هو حالنا في زمن الفوضى والتمرد على القوانين والقيم والنظم.