كدلالة على القبول بأي شيء وضد كل شيء ومع أي شيء نسمع جملة “مشّي حالك” .. هذه الجملة رغم وضوحها التام إلا أنه قد يصعب علينا فهمها في أحيان كثيرة حين تكون “تمشية الحال” غير منضبطة وغير محكومة بقواعد وأصول “التمشية” .. حين تأتي تلك الجملة بلباس الموعظة والنصيحة من الشخص لآخر في ظروف ما تقتضي الاستماع إليها والتعاطي معها بمقصودها الحقيقي والطبيعي فلا بأس في ذلك وهي في هذه الحالة نادرة الاستخدام. لكنها صارت تشريعاً للنفوس من قبل أصحابها ومن ناس لناس وهي تحمل في طياتها تشريعاً للتمرد على القيم والقوانين والمبادئ.. فالمقصر في عمله وواجباته يعلل نفسه بجملة “مشّي حالك” والظالم يشّرع لظلمه بها وآكل حقوق الناس كذلك، والمرتشي يمشّي حاله والفاسد يشّرع لفساده من باب “مشّي حالك”, وثمة فاسد يوصي فاسداً بهذا الأمر وكذلك يفعل كل لص وكل قاطع طريق وكل متمرد على القيم والقوانين حين يسأل عن أفعاله وبالتحديد حين لا يكون وراء السؤال عقاب، فيبرر كل ماقام به ومايقوم به ب”مشّي حالك”. الحقيقة أن هذه الجملة صارت تشريعاً للقبح في غالب الأحيان، وحين تسمعها فاعلم أن القائل يقصد بها تبرير مافعل أو تشريع لما يفعل ولما سوف يفعل لاحقاً. كيف يمكن أن تكون اللصوصية تمشية حال؟ وكيف يمكن للإخلال بالواجبات والتقصير في الأعمال تمشية حال؟ أيّ حال هذا الذي يمشي إلا بالسيئ من الأقوال والأفعال؟ صارت هذه الجملة ممقوتة وأنت تسمعها من ألسنة البعض وفي أفعالهم التي تدل على أنهم يتصرفون ويعملون وفقاً لتمشية الحال.. الحال لايسير بالباطل، إنه يتراجع ويتعثر ويسقط أرضاً إن لم تكن ضوابط المشي قانونية ومضبوطة وأخلاقية.. حين يأتي الرد بهكذا عبارة فإنك تلمس جلياً حالة الإفلاس عند القائل وخصوصاً في القضايا والأمور الكبيرة، وكلها كبيرة لو أردنا أن تسير الأمور بشكل سليم ويمشي الحال مشياً صحيحاً ومهذباً.. تسأل إنساناً ما: لماذا فعلت كذا فيجيبك “مشّي حالك” وتسأل غيره لماذا غبت عن عملك فيجيبك بنفس الجواب وتسأل شخصاً ما كيف تفعل في أمر ما فتسمع منه ذات الجواب ويدلك الجواب على أحوال غارقة في السوء والضلالة، وأحسب أن المصائب تتكاثر ويزداد عددها كلما زاد عدد الذين يمشّون أحوالهم وفقاً لما تدل عليه الجملة من تفلّت وتقصير وفساد وأشياء كلها من جنس الفساد.. بالواضح صار معنى “مشّي حالك” اسرق وخالف وافعل ماتريد وقل ماتريد ولا رقيب عليك سوى هذا المبدأ الفاسد الذي يشرع لك كل شيء دون مراعاة لحقوق الغير وللضوابط الشرعية والقانونية. حكاية أن البلد لا ينفع معها سوى هذا الأمر هي اعتقاد خاطئ من تصميم وإخراج النفوس المريضة وبالتأكيد انعكس الأمر على مجريات الحياة اليومية وعلى مصالح الناس والبلد؛ إذ لا شيء يمكن من خلاله كبح جماح شرور البعض طالما أفتى أصحابها لأنفسهم ولغيرهم بأن حال البلد لا ينفع معه سوى تمشية الحال وللأسف لم يمشِ الحال ولم يتحرك إلى الأمام خطوةً واحدةً وإن مرّت الأيام وتوالت السنون وظن أهلها أن حالهم قد مشى واستقام.