ترتبط تركيا بالعالم العربي بالكثير من الروابط فليس الجوار الجغرافي وحده الذي يربط تركيا بالعالم العربي وإنما هناك الإرث التاريخي الممتد عبر قرون من الوحدة السياسية بين العالم العربي وتركيا، فقد كان العرب أرضاً وإنساناً جزءاً من الإمبراطورية التركية العثمانية «الدولة العلية» وبعد الانفصال والتفكك الذي حدث لدولة بني عثمان وتهارش الدول الاستعمارية الغربية على تقاسم تركتها انقطعت الصلة بين العالم العربي الذي تجزأ إلى دول صغيرة سياسياً واقتصادياً اتجهت تركيا بتطلعاتها إلى أوروبا وسوقها المشتركة ثم اتحادها وهي لا تزال يحدوها الأمل في الانضمام إليه. رغم كل المؤشرات والإشارات التي تدل على عدم رغبة دول أوروبا العلمانية قبول تركيا ضمن محيطها رغم شرط العلمانية المتوفرة في هذه الدولة الهلالية الأمر الذي حدا برئيس الوزراء التركي إلى مطالبة الغرب صراحة بإعلان موقفهم من انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي بوضوح وصراحة. لقد ظل الأوروبيون يقدمون الشروط تلو الشروط والأتراك ينفذون علمانية الدولة ومنع الحجاب ورفع مستوى الاقتصاد ليتناسب مع الاقتصاديات الأوروبية، وقف حكم الإعدام لعبد الله أوجلان، اتفاقيات عسكرية لتسهيل مهمات الحلف الأطلسي. عدم إغضاب إسرائيل، عدم دعم غزة.. وقد نفذت تركيا معظم هذه الشروط ومع ذلك لا يبدو في الأفق ما يدل على الرضا الأوروبي، فقد صرح قبل شهور الأمين العام الجديد للأطلسي رئيس وزراء الدنمارك السابق أنه يمكن النظر في قبول تركيا معهم في الاتحاد بعد عشر سنوات، وقد أدرك حزب العدالة والتنمية الحاكم الحالي في تركيا أنه لا يجب التمسك بعد هذه الفترة الطويلة بالحلم الأوروبي. فوضع إستراتيجية للدور الإقليمي التركي وقد تضمنت هذه الإستراتيجية كما عبر عنها أحمد داود أوغلو وزير الخارجية أربعة مبادىء لسياسة تركيا إزاء الشرق الأوسط منها وأهمها تعزيز الاعتماد المتبادل بين اقتصاديات المنطقة وهو أمر ممكن في ظل المعطيات الحالية وأولها: التطورات الحاصلة في طبيعة النظام الاقتصادي التركي وتوجهاته وثانيها: تغيير النظرة العربية إلى تركيا والتي كانت محصورة ومحكومة بعلاقة تركيا بإسرائيل العدو الأول للعرب. وثالثها: منظمة المؤتمر الإسلامي ومحاولات تركيا تفعيل دورها وإخراجها من الشجب والتنديد إلى العمل الميداني النافع للمسلمين ورابعها: الانفتاح الثقافي على تركيا من قبل العرب وغزو المسلسلات التركية للمشاهد العربي الذي بدا أكثر ترحيباً بها من غيرها. لقد ظلت المعوقات التي تحكم علاقة العرب بتركيا هي المسيطرة على توجهات الجانبين، فمشكلة مياه دجلة والفرات ومشكلة لواء الاسكندرونة والعلاقات التركية الإسرائيلية وتطلع تركيا نحو الغرب كل تلك المشكلات استطاعت تركيا تحجيمها بعد التحولات الحاصلة، لكل ذلك جاءت التحولات في السياسة التركية في وقتها المناسب. واتجاه الحكومة التركية إلى تعزيز موقعها الاقتصادي هو عين الصواب لأن الاقتصادات القوية هي التي تؤثر في السياسة والاجتماع وكل نواحي الحياة سواء في داخل البلد أم خارجه والمثل الصيني ماثل أمام الجميع ومن قبله اليابان. إن التقارب الثقافي التركي العربي المؤطر بالإسلام والعلاقة الحميمة بين الطرفين تسمح بإقامة شراكة اقتصادية فاعلة، وقد بدأت الواردات التركية تغزو الأسواق العربية. وقيام مشاريع استثمارية مشتركة سيحقق فوائد كبيرة للطرفين وربما كانت المماطلة الأوروبية في قبول تركيا في اتحادها فرصة للعرب خاصة وأنهم ربما يكونون البديل المحتمل رغم إفلاس العرب وعجزهم الحالي وبنظرة سريعة إلى المؤشرات الاقتصادية نجد أن متوسط معدل النمو السنوي للواردات التركية من البلدان العربية بين عامي 1995 2007 بمقدار 6.4 % في حين أن متوسط معدل النمو السنوي لإجمالي الواردات التركية في الفترة الراهنة يصل إلى 12.6 % وتمثل المنتجات النفطية 82 % من الواردات التركية من البلاد العربية. أما الصادرات التركية إلى البلاد العربية فقد وصل المعدل إلى 29.1 % لنفس الفترة السابقة تقريباً فقد نما المعدل السنوي بمقدار 21.41 % ويلاحظ أن الصادرات التركية إلى العرب في تصاعد مستمر، وهناك العديد من الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية أبرمت بين البلاد العربية وتركيا الأمر الذي يجعل من الاقتصاد بوابة كبرى لقيام علاقات شراكة مميزة مع الأتراك. إن الروابط التاريخية التي ذكرناها بين العرب وتركيا هي صمام الأمان للعلاقات بين الطرفين وإغفال هذه الروابط التاريخية والجغرافية يعتبر نوعاً من القصور في التخطيط الإستراتيجي ونحن في اليمن نمتلك مع تركيا الكثير من القواسم المشتركة فقد امتزج التاريخ التركي باليمني والآثار التركية شاهدة على هذا التمازج، كما أن الأتراك لهم الفضل في تأسيس العديد من المؤسسات التي تشكلت منها الدولة اليمنية الحديثة، فقد أسسوا مؤسسة الجيش والنظام الإداري ولا تزال شواهد ذلك في المتحف العربي. وبالرغم من خروج الأتراك بعد حروب مع اليمنيين فقد بقي البعض منهم للمساعدة في تأسيس الجيش ولا تزال بعض العائلات التركية تعيش في اليمن وتحمل جنسيته. إن زيارة الرئيس التركي لليمن ستفتح آفاقاً جديدة للعلاقات التركية اليمنية ونحن بحاجة ماسة إلى الاستفادة من التجربة التركية في مجالات كثيرة، كالتعليم والاقتصاد وحتى في نقل الإسلام التركي الذي جسّد جوهر الإسلام إلى الحكم بعد كل تلك السنين العجاف التي عاشها مسلمو تركيا. فأهلاً بالرئيس التركي معززاً مكرماً بين أهله وذويه ومزيداً من التواصل وإذا لم تنجح تركيا في الاتجاه غرباً فستنجح في الاتجاه شرقاً، وستصدق المقولة: الشرق شرق والغرب غرب.