يكثر التقعر والتصنع في “الوسط الثقافي” عند استعمال مصطلحات لم ينتجها واقعنا, ولا هي من مخرجات ثقافتنا الإسلامية, وإنما نتاج حضارة مغايرة وتاريخ مختلف, وليس أدل على ذلك من تكرار أفكار كالصراع بين العلمانية والدين, والبروليتاريا والفيدرالية...الخ, صحيح إن على الثقافة الإسلامية أن تتلاقح مع غيرها من الثقافات؛ لأن هناك أفكاراً أو مبادىء ذات طابع إنساني عام, ولكن المنطق يقتضي القول: إن هناك دائرة من الخصوصيات المحلية لاختلاف التاريخ والجغرافيا والدين, مما يؤكد بدوره تبايناً في الرؤى ومغايرة في طرق المعالجات والمقاربات للإشكاليات, ناهيك عن اختلاف المستوى الحضاري لأمتنا العربية, والذي ينحدر إلى مستوى الانحطاط في الوقت الراهن.. وللانتقال للجانب العملي نضرب مثالاً على الخصخصة, والتي تعني مشاركة القطاع الخاص في استملاك بعض القطاعات الحكومية المتدهورة؛ لغرض الارتقاء بمستوى الخدمات والقضاء على الرشوة وتخفيف العبء على الدولة وغير ذلك من المبررات, هذا المفهوم وإن نجح في العالم المتقدم فإن نجاحه في بلاد العرب عامة وبلدنا بشكل خاص مرهون بجملة من التشريعات ومصفوفة من الإجراءات والتعديلات في النظم القائمة, حتى تساير ما هو غربي, وهذه عملية تحتاج إلى تراكم الجهود وتسريع في عملية التحول الحضاري, وإلا تحولت الخصخصة إلى غول يلتهم ما تبقى لدى المواطن من مدخرات, وأضحى الكثير من العمال في بطالة عدا عن التداعيات الأخرى كارتفاع أسعار الخدمات... الخ. من هنا يجب رؤية الأوضاع إجمالاً عند التفكير بتوطين فكرة, أو استنبات مفهوم في بيئة غير “محل النشأة” حتى لا يرفض الجسم الذي ستزرع فيه الفكرة هذا العضو الدخيل. وما أود قوله : إن أخذ المفاهيم يكون بتعديلها بعيداً عن النسخ الآلي أو النقل الكلي الحرفي, وهذا ينطبق بالضبط على الديمقراطية التي يجب أن تأخذ طابع “صنع في اليمن” بسبب اختلاف التجارب وخصوصية كل مجتمع ودرجة تحضره ومدى مدنيته, على الرغم من كونية بعض الأفكار, وعلينا ألا نغفل حقيقة أن كل مجتمع يصوغ واقعه ويقارب مشكلاته على نحو يجعله فريداً ومتمايزاً ومستقلاً. ولنا في فشل الاشتراكية خير مثال على ذلك, فقد فشلت في مسقط رأسها عدا عن فشلها في الدول التي انتقلت إليها؛ بسبب النظرة المطلقة للأشياء وعدم رؤية الأمور في نسبيتها, ناهيك عن اتساع الهوة بين النظرية والتطبيق وعدم إجراء المراجعات النقدية والتطوير المستمر للمفاهيم, والتوقف عند نتاج السابقين في حين تكون الأوضاع قد تغيرت والزمن في تحرك مستمر للأمام.