اعتقد البعض أن النسخة التونسية يمكن أن تتكرر في أكثر من دولة عربية وأنه بمجرد تحريك الشارع ستتساقط الأنظمة العربية تباعاً دون إدراك لحجم الاختلافات والتباينات الاجتماعية والسياسية والأمنية وبنية الأنظمة في كل دولة عربية ولم تهتم بالأثر الذي سيترتب على سقوط الأنظمة في كل دولة وفق النسخة التونسية. النسخة المصرية بدت مغايرة رغم أنها تتسم بطابعها الشعبي إلا أن تماسك النظام وتداخل المصالح للقوى السياسية والاقتصادية يجعل منها نسخة بطابع آخر يمكن أن تجر البلاد إلى نتائج لا يمكن التنبؤ بها على المدى القريب ولا يمكن إغفال العامل الخارجي المؤثر في ظل حساسية المصالح الدولية في قناة السويس ووقوع مصر في منطقة التماس الشرق أوسطية. البعض بوعي أو بدون وعي حاول استنساخ النموذج التونسي أو المصري فعمد لإثارة الفتن والترويج لثقافة الفوضى إلا أن مبادرة الأخ رئيس الجمهورية يوم الأربعاء الماضي في كلمته أمام الاجتماع المشترك لمجلسي النواب والشورى والمسيرات الجماهيرية التي خرجت الخميس الماضي سواء المحسوبة على الحزب الحاكم أو لصالح المعارضة أكدت أن النسخة اليمنية ستكون نموذجاً عربياً كما كانت الوحدة اليمنية مثار فخر واعتزاز لكل العرب. معالجة أخطاء الديمقراطية لا تكون إلا بمزيد من الديمقراطية وزيادة مساحة الحرية لتتسع لكل الآراء والأفكار, كما أن الكبت والحرمان السياسي ومصادرة الحريات والحقوق والتخندق حول أجندة محددة وعدم ترك مساحات للآخرين لتمثيل أنفسهم والاستيلاء على الكعكة كاملة ولَّد ويولد الانفجار كما شاهدنا ونشاهد في تونس ومصر فلا مجال اليوم أمام الأنظمة العربية إلا الشراكة المبنية على أسس الديمقراطية والانتخابات الحرة وتقبل نتائجها أياً كانت وهنا أعيد ما قاله فخامة الأخ رئيس الجمهورية في إحدى المقابلات التلفزيونية أثناء الانتخابات الرئاسية 2006م (الله لا يجمع عُسرين في وقت واحد الفقر وتكميم الأفواه). ولا يمكن تفصيل الديمقراطية بمقاسات متعددة، كل تيار سياسي يريد ديمقراطية بمقاسه, فالديمقراطية منظومة متكاملة من الأفكار والآليات التي تكفل إدارة الصراع على السلطة سلمياً ولا يمكن أن نجتزء منها ما يتناسب مع مصالحنا ونرمي بالجزء الباقي لأنه لا يحقق غاياتنا وأهدافنا فإما ديمقراطية ويحتكم الناس لنتائجها بقناعات كاملة أو البقاء تحت سياط الموروث السياسي والذي يمتد لأكثر من ألف وأربعمائة عام. مبادرة القيادة السياسية تحتاج لقيادات بحجم المبادرة سواء في السلطة أو المعارضة تلتقطها وتترجمها إلى آليات عمل تجعل منها نقطة تحول في المسار التاريخي اليمني وعلى العقلاء في أحزاب اللقاء المشترك إدراك مخاطر تفخيخ الشارع في ظل مجتمع قبلي و 60 مليون قطعة سلاح في يد الشعب وأوضاع سياسية وأمنية غاية في الدقة وجماعات مذهبية ومناطقية تتحفز للانقضاض على الوحدة اليمنية وتمزيق النسيج الاجتماعي. إننا اليوم بحاجة لاستدعاء الحكمة اليمانية لأن الاقتصاد لا يتحمل خضات عنيفة ولا المجتمع قادراً على تحمل أعباء جديدة فلا تستمعوا لمن أراد نفث أحقاد شخصية متدثرة بعباءة الوطنية والغيرة على الوطن فأنتم يا قادة المعارضة أذكى من أن تنجرفوا وراء تلك الأباطيل وإحساسكم بالغيرة على الوطن سيحدد مسار مواقفكم. مبادرة الأخ رئيس الجمهورية فيما يتعلق بالتوريث أو التمديد نقلة تاريخية وسياسية على المستوى العربي وهذه المبادرة ليست غريبة عليه لأنه يصنع تاريخاً .. فكانت الوحدة اليمنية تاريخاً وطنياً وقومياً وهذه المبادرة سيسجلها التاريخ قومياً وإسلامياً وعلى هذا السياق تأتي أهمية تفعيل وتنفيذ قانون التدوير الوظيفي حتى نبدأ بتطبيق منع التمديد والتوريث على جميع المستويات الإدارية لتحول الوظيفة العامة إلى تكليف لا تشريف وتصبح المناقلة الإدارية ثقافة مجتمعية.