الثورة لا تقبل القسمة على اثنين.. مقدَّسة, ولايجوز استنساخها, وتشويهها في ثورات لاحقة بنفس الشعارات.. والأهداف.. صباح الأحد الفائت, كانت مدينة ذمار هي الاستثناء بين كل المدن والعواصم العربية واليمنية التي «لطشت» شعارات ثورتي تونس ومصر وخرجت تجوب بها الشوارع. كانت الساحة المقابلة لمبنى المحافظة ملونة بشعارات جديدة ,من نوع «عنس تريد إسقاط المحافظ» : يطالبون بوقف العبث في قضية نهب الأراضي.. على الرغم أن النزاع بين قبيلتين ذماريتين لايعرف كافة أهاليهما, المقيمين في المحافظة بالذات, موقعاً اسمه «الفيس بوك» ولم ينضموا إلى مجموعة «كلنا خالد سعيد» إلا أن أبناء ذمار المعروفين بروح النكتة , أوصلوا رسالتهم المطالبة بوضع حد لمسلسل نهب أراضي الأوقاف ومحاسبة محافظ , يقولون إنه السبب وراءها. ثورة أبناء عنس ,من أجمل الثورات البيضاء هنا , نكأت جرحاً غائراً هو السبب في غالبية الاحتقانات في شمال الوطن وجنوبه , ولابد أن تحقق أهدافها، ونجد كل لصوص الأراضي ونهابيها في قفص الاتهام, يحاكمون لما سبّبوه من مشاكل باتت تهدد أمن واستقرار البلد أجمع , ومناسبة لفتح ملفات أراضي الأوقاف التي لهفها نافذون, استقووا على المواطنين بإمكانيات أجهزة الدولة.. * * * تأخرت الزوجة في إعداد وجبة الغداء حتى الثانية ظهراً ,فما كان من الزوج إلا أن قام بحشد أبنائه في مسيرة, جابت أرجاء غرفة الجلوس والصالة ,ووصلت حتى المطبخ رافعين لافتات تقول: «البيت يريد إسقاط المره»!! لم ترتعد الزوجة خوفاً من انزلاق البيت نحو الفوضى, بل قامت بإبطاء همتها, وعاندت المحتجين, وقدمت وجبة الغداء في الثالثة والنصف عصراً.. الثورات اقتحمت أسوار المنازل إذاً.. ثورة مصر وتونس فتحت للمضطهدين نافذة أمل.. «عناد» مبارك , علّم ولاة الأمر, كما علّم زوجة صديقنا التي لم تتنازل، لامتصاص جوع المحتجين حتى ب«مطيبة مرق»!! ما الذي يحدث؟! هل تحولت الثورات إلى استثمارات، كالدكاكين في اليمن.. يفتح أحدهم بقالة, يحسده جاره, ويفتح على بعد متر منه.. * * * رفعت ثورتا مصر وتونس من أسهم «المفسبكين» وهوت أسهم البورصة.. لاحديث للناس هذه الأيام سوى عن «فيس بوك» المصباح الذي أنجب مارد الثورة.. الإعلام الغربي, لا نقاش يدور على صفحات جرائده إلا ويتطرق لهذا الموقع الالكتروني الذي فتت الهرم, والعربي يتمنى تشييد تمثال لمؤسسه الأميركي.. ينظر الغربي للموقع, أنه اجتماعي فقط، مشتركوه يكتبون مايجول في خاطرهم من أفكار عن الحب, الصداقة , العلاقات ,يناقشون قضايا اجتماعية بحته , ولم يفكروا في ممارسة السياسة على جدرانه , ربما لأن إعلامهم فضائيات وصحف لاتترك لهم المجال , حين تفرد صدرها لكل أفكارهم وغضبهم , أياً كانت خطورتها ,على العكس من الشباب العربي الذي وجد فيه متنفساً , فحوّله من «فيس بوك» إلى «فأس بوك» لشج رؤوس الأنظمة. 90 ألف يمني ,منهم 14 ألفاً من الإناث ,عدد المشتركين اليمنيين في الفيس بوك , حسب آخر تقرير نشرته جريدة سعودية , وقالت إن عددهم في المملكة مليونان , وفي الكويت الشعب بأكمله ,وفي مصر التي يعتبر الموقع شريكاً في ثورتها بلغ عددهم 5 ملايين مشترك , والفضل يعود ل«نظيف» الذي ازدهرت في عصر وزارته , حين كان وزيراً للاتصالات ,خدمات الانترنت وقضت فيما بعد على حكومته ونظامها.. ال90 ألفاً , لايشكلون رقماً ,قياساً بمصر.. غالبية اليمنيين, مازالوا يقولون لجهاز الكمبيوتر «تلفزيون» ويريدون الآن أن يكونوا مثل «وائل غنيم» حتى تستضيفهم الفضائيات.. لامقارنة بالتأكيد بين هنا وهناك.. إذا كانت ثورة الانترنت قد أطاحت بنظام , فنحن نريد أولاً ثورة ضد أمية الانترنت.. * * * «لن تسقط كل لعب الدومينو في الشرق الأوسط».. هكذا قالت الصحافة العالمية غداة الإطاحة بنظام مبارك.. هل يوحي مانشيت كهذا بأن قناعة قد توصلت لها الدول العظمى بإسقاط نظامين، ولا ترحب بالمزيد, وكأنها المتحكمة بالريموت كنترول.. ربما. [email protected]