تطرفنا كثيراً في تجريم الاهتمام بالذات، إلى أن صار الكثير منا بشعر بالقطيعة مع نفسه حتى أننا ما عدنا قادرين على التعبير عن حبنا لأنفسنا، ولا عن حبنا لغيرنا.. وصارت كل المشاعر قيد الشك، وكل تعبير صادق محل استغراب وسؤال, حلقات القيم العاطفية لدينا في إجمالي سلم القيم الإنسانية والكونية، تعيش حالة من الفوضى، فألقى كل ذلك بظلاله حتى على علاقتنا بالله عز وجل وحبنا له, حيث انشغلنا بإظهار دلائل الحب عن العناية بذات الحب وتربينا على أن الشعائر التعبدية من صلاة وصيام وصدقة هي الطريق الوحيد، لكي ننال حب الله ورضاه, ولهذا ما أن نقصر في تأدية الفروض بصورتها المثلى، أو نتوقف عن أداء النوافل حتى نشعر أن مدد الله انقطع عنا، وأن هناك جفوة قد صارت بيننا وبينه فما عاد يذكرنا ولا يحبنا ولا يرعانا, وهذا الشعور في حد ذاته يخلق فراغاً روحياً ويولد فجوة إضافية، ناهيك على أنه تصور خاطئ عن الله, وكلامي هذا لا ينفي أهمية الشعائر والعبادات، ولكننا نريد أن نربي الأجيال القادمة على أننا نحب الله، لأنه يستحق الحب, لأنه إله الخير والحب كما أنه إله كل شيء وهو بالمقابل يحبنا لأنه كريم وعظيم.. لأنه أكثر رحمة بنا من الوالدة بوليدها، ورغم أنه غني عن هذا الحب وليس بحاجته، إلا أنه يؤكد على تبادلية الحب فكما نحب ينبغي أن نكون محبوبين بالمقابل، وهذا ما يتضح من خلال الآية الكريمة: ( يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه .. الآية ). في ثقافتنا ما زلنا بحاجة لإعادة ترتيب القيم المتعلقة بالعلاقات الإنسانية والعلاقات الروحية فمتى ما سكنت النفس واستقر الوجدان قدر الإنسان قيمة الوجود ووصل إلى معنى الحياة.