أسوأ شيء يمكن أن يحدث هو أن يجد الإنسان نفسه مجبراً على دفع قيمة فاتورة لم يستهلكها، ولا علاقة له بمن استهلكها, وإن كانت العلاقة بحد ذاتها غير ملزمة للدفع نيابة عن الأقارب في أوقات كثيرة وإن وجدت. المشكلة حين يكون الدفع إجبارياً أو حين يطلب منك أن تدفع ولم تكن لك الخيرة من أمرك لتقبل أو ترفض, هناك يكون الظلم أشد وطأة على النفس, وكذلك الحال حين تدفع عن حسن نية أو عن جهل بعواقب الأمور فيجتمع عليك الظلم والاستغلال، وكله في الأخير ظلم!!. اليوم نحن أمام فاتورة باهظة الثمن سياسياً واقتصادياً واجتماعياً نجدها مطروحة أمام الناس البسطاء, وثمة من يدفع بهم ليتحملوا تكاليفها وقيمتها بعيداً عن الذين استهلكوها والذين أوصلوها إلى نقطة الدفع الإجباري والدفع عن حسن نية وجهل بتفاصيل الفاتورة التي جرى تأجيلها كثيراً حتى تراكمت وتعقدت، وتفتّحت أبواب تفضي إلى خسائر فادحة سوف تطال أولئك الناس الذين وجدوا أنفسهم في مكان خطأ وهناك من يدفعهم ويدفع بهم نحو قبول مهمة بالغة الخطورة وباهظة الثمن. لن يقف الأمر عند مجرد الدفع وبالتالي تهدأ الأمور، لكن هذه الفاتورة المعلونة لن تقف عند ثمن محدد, وأحسب أنه قد دُفع حتى اللحظة, لأن قيمة الإنسان الواحد غالية جداً, ولكن يبدو أن شياطين السياسة لم يقتنعوا بعد بما حدث ويقفوا عند هذا الحد. وها نحن نسمع ونشاهد كل يوم أن الفاتورة طويلة وعريضة ولم يغلق حسابها.. البسطاء والمساكين من الناس سيدفعون الثمن الأكثر إيلاماً وفداحة، والكثيرون منهم سيدفعون حياتهم في لحظات عناد وربما سوء تقدير للمواقف والأحداث. هؤلاء جميعاً يجب أن يعلموا أنهم لم يستهلكوا قيمتها الفاتورة ولم يكن لهم علاقة بوصولها إلى هذا الحال, كان بالإمكان ألا تصل إلى هذا الثمن، ولم يزل بالإمكان أن تقف عند هذا الثمن أيضاً لتتم مراجعة الحسابات واختيار أسهل وأفضل وأضمن الطرق لتفادي الأثمان الباهظة التي دفعت وتُدفع وسوف تُدفع أكثر من الدماء والأرواح, هذه الطريقة من الدفع لم تكن خياراً وحيداً لولا أن البعض أراد لها أن تكون كذلك ليدفع غيره الثمن ويبقى هو يتاجر بدماء الضحايا وأرواحهم وبكل نتائج الدفع الخاطىء. هناك من يريد أن يربح فيما غيره يخسرون آباءهم أو إخوانهم أو أبناءهم أو أرواحهم, كان بالإمكان ولم يزل أن يقسم الثمن على الذين استهلكوا الفاتورة والوقت لتصل الأمور إلى ما وصلت إليه, وبذلك التقسيم سوف نتجنب فداحة الأثمان وبالأخص ما يتعلق منها بالأرواح والدماء وبالممتلكات العامة التي يصعب تعويضها. أيها الناس لا تصدقوا أن أبواب الحلول لمشاكل البلد قد أغلقت عدا باب الدماء والتضحيات والأرواح, لا تدفعوا دماءكم وأرواحكم ثمناً لفاتورة أو فواتير خاصة بغيركم لم تستهلكوها، ولا تجعلوا من أنفسكم أثماناً يستفيد منها أرباب التجارة والسياسة. أبواب الحلول التي رفضوها بالأمس واليوم سوف يفتحونها في الغد, وسيقبولون بها ولكن بعد أن نكون قد دفعنا الغالي والنفيس, سوف يعودون جميعاً إلى طاولة الحوار. فحذار أن نكون وقوداً لتلك العودة, قولوا لهم عودوا إلى الحوار من الآن قبل الدماء والأرواح وكل ما يمكن أن يحدث من مصائب.