الكارثة الحقيقية بما يحمله هذا اللفظ من دلالات هي أن يجد الإنسان أو المجتمع نفسه مرغماً على دفع ثمن فاتورة هو في الأصل لم يستهلك شيئاً منها قليلاً أو كثيراً أو بصورة أخرى يدفع الثمن دون أن تكون له الخيرة من أمره ليختار .. غير أن الثمن ليس مادياً في كل الأحوال ، فالثمن المادي أهون الأثمان وإن كان باهظاً ، ولذلك نقول إن الكارثة الكبرى عندما يدفع الفرد أو الأسرة أو المجتمع ككل كامل الثمن بما في ذلك الأرواح التي هي كل شيء دون ذنب اقترفوه ولكن جراء خلافات البعض وأخطائهم. كيف نصف الحال عندما يدفع العشرات والمئات والألوف بل وأكثر من ذلك من الناس أرواحهم دون مايوجب هذا الدفع سوى الأخطاء والكراهية وتصفية الحسابات التي لا علم للضحايا بها.. وإن علموا فليس لهم من أمرها شيئاً؟ وهل يعقل في كل الأحوال ان تصفى الحسابات على هذا النحو .. هذا النوع من العلاقات وأساليب الحوار في المجتمع الواحد أو بين الفئات والمجتمعات المتعددة لا يمكن وصفه وحين يوصف لايقبل ولا يمكن فهمه مطلقاً وبالأخص في المجتمعات التي يكون الدين الواحد هو قاسمها المشترك الأول والأكبر. مئات الألوف من المسلمين تحديداً دفعوا كامل الثمن دون موجبات لهذا الدفع كله أو أقل من ذلك ويكفيهم أنهم مع غيرهم قد دفعوا ومازالوا يدفعون من حريتهم وأمنهم واستقرارهم ومن كل أسباب الحياة الكريمة ومن دمائهم وأرواحهم أيضاً جراء مايلحق بهم من عدوان من غيرهم من المجتمعات شرقية وغربية تحت مسميات شتى وأهداف تحركها الخلافات الفكرية والدينية أولاً وتختلط بها المصالح الاقتصادية والسياسية وتغطيها زيفاً النوايا الانسانية الحسنة. إذا كانت المجتمعات العربية والاسلامية مضطرة لأن تدفع كل هذه الأثمان في مواجهة العدوان وللدفاع عن معتقداتها وعن أرضها وثرواتها وهو دفع واجب لا مفر منه ولا مناص فما بالها تدفع أضعافه ومضاعفاته في خلافاتها ببعضها حتى أوصلها الأمر إلى عمق الكارثة وحدود الفناء. إن العلاقات العدائية التي يراد لها أن تسود بين الطوائف وبين المذاهب الاسلامية وداخل كل طائفة ومذهب لتصير إلى ما صارت إليه الأمور في العراق اليوم وماهو أبعد من ذلك.. هذه العلاقات وهذا النمط من الحوار الذي تنطق فيه آلات القتل الفردي والجماعي وتحل محل كل أنماط الحوار الذي لا يؤمن بالقتل ولا يجيزه، هذه العلاقات هي الأخطر في حياة المجتمعات الاسلامية وعلى مستقبلها في كل الأحوال ، لأن الشرخ الذي تحدثه لغة المذهبية حين تسود ليوم واحد لا يمكن مداواته بيوم واحد وربما بعام، فما بالنا وقد سادت بالصورة التي نراها اليوم تتحرك من قطر لآخر كأنها تستشري، كيف يمكن معالجة هذا الأمر إن لم يقف عند حد المسميات فقط وتسود لغة التقارب على لغة التباعد والخلاف والاقتتال وان لم يصمت دعاة الاختلاف والفرقة وهواة القتل من اللحظة وغداً لن يكون الأمر هذا أسهل من اليوم وما بعده ليس أسهل منه.. فأكثر من كفاية ماقد دفع أرضاً وانساناً وحرية وفكراً وأمناً واستقراراً وأكثر من كفاية ما حدث ويحدث في بلاد العرب والمسلمين وأكثر من كفاية خيانة من خانوا وهوان من هانوا!!