لم يعد اليوم يخالطني شك في أن رئيس الجمهورية علي عبدالله صالح قد ألزم المعتصمين الحُجَّة، وذلك حين دعاهم إلى الاحتكام إلى كتاب الله.. فأنا أثق أنها رؤية متزنة وحكمة بالغة؛ لأنه لم يركب رأسه، وإنما عبّر عن ارتضائه لحكم القرآن في فضّ النزاع وتسوية الأزمة، وهو خير كبير ودليل نضجٍ وحكمةٍ في التعامل مع الأزمات بشخصية الحاكم المسلم الذي يؤمن بأن القرآن ميزان العدل بين المسلمين ومصدر وفاقهم وتصالحهم، وأن العودة إليه مسئولية دينية ووطنية ليتقرر الحل الذي يرتضيه الله لهذه الأمة حقناً لدمائها وصوناً لأمنها وسلامتها ومستقبل شبابها.. لذلك وقف اليوم الرئيس علي عبدالله صالح أمام كوكبةٍ من العلماء يطلب منهم دعوة مناوئي نظامه والمطالبين برحيل هذا النظام إلى كلمةٍ سواء يجهر العلماء فيها بالحق وبماهو لصالح اليمنيين وفق مايريده الله في دستوره الحكيم ومنهاجه القويم وما بعث لأجله نبيه الكريم. وإنني أقول: لا يسع اليوم الشباب اليمني ومعهم أحزاب اللقاء المشترك إلا أن يبسطوا أيديهم لهذه الدعوة، فقد ألزمهم الحُجَّة وأبطل بها خيارات أخرى، لأن الجميع مسلمون والإسلام يعني الانقياد لله والائتمار بأوامره والاهتداء بهدي نبيه وليس في غير هذا سوى الضلال, فالله يقول: “إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم” (الإسراء :9), ويقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي عنه واصفاً القرآن: “كتاب الله فيه حكم مابينكم وخير ماقبلكم ونبأ مابعدكم، وهو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسن، ولا تنقضي عجائبه، ولا يشبع منه العلماء، من قال به صدق ومن عمل به أُجِر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هُدِيَ إلى صراط مستقيم” .. هذا كلام علي رضي الله عنه أعلم هذه الأمة بالقضاء وفصل الخصام فقد قال عنه صلى الله عليه وسلم: “عليٌّ أقضى أمتي”.. وكلام عليٍّ هذا هناك من أخرجه مرفوعاً إلى النبي الكريم كالترمذي في “ثواب القرآن” والدارمي في سننه والإمام أحمد في مسنده, ولكن حسبنا قول ابن كثير: “وقصارى هذا الحديث أن يكون من كلام أمير المؤمنين”. هذه رؤية لا أبتغي بها فضل أحد إلا وجه الله, وأرى قلمي مسئولاً عن قولها في هذا الظرف العصيب ودعوة المعتصمين من الشباب وأحزاب المشترك للتفكير فيها والمبادرة إلى الاحتكام وفق شرع الله ولما يرتضيه المحكّمون من علماء الأمة لهذا الشعب من حلٍّ عادل وكلمة حق توقف نزيف الدم اليمني الذي يراق يومياً في زمن يقف فيه الحليم حيران!!. ولكم بعد هذه المبادرة أيها الشباب وأنتم يا أحزاب اللقاء المشترك لكم أن تتخيّروا من ترضونه من العلماء ليمثّلكم في تحكيم شرع الله، فالعلماء ورثة الأنبياء وهداة الأمة بعدهم، وهم أهل الرأي الذين يرسمون للأمة طريق السلامة، لذا فنحن مطالبون بأن نرتضي مايرونه ونلتزم بما يريدونه في أيٍّ اتجاه كان. ولأن العلماءَ والعلماءَ الربانيين خشاةٌ لله فإن مسئوليتهم اليوم أن يضعوا على مائدة الحوار الحق الصريح.. وأنا على تمام الثقة بأن هذا هو ماسوف يحدث لأنه ليس للعالِم مايخشاه إلا الله وليس له مايبتغي به شيئاً إلا وجه الله, لاسيما أن قول الحق والمجاهرة به مطلب صريح أراده رئيس الجمهورية في بيت من بيوت الله والمصحف بيده اليمنى.. ولا ينكر أحد أننا لسنا في بلد يكمّم الأفواه أو يخاف فيه العالِم من حساب الحاكم إذا حملق إليه بعينٍ أو نظر إليه شزرا. ولا يفوتني هنا أن أدعو الإعلام الرسمي إلى أن يرفع يده أو مقصّه عن شفافية إدارة العلماء للحوار ومجريات تسوية الأزمة.. فلم يعد الزمن زمن الاجتزاء بل هو زمن الحقيقة الكاملة عاريةً من كل الرتوش. لقد ضاقت كل الآفاق ولم يبق إلا أفق الذكر الحكيم وعلماؤه الأخيار ليقرروا ماهو لصالح الأمة، ولن تجدوا بعد القرآن حكماً، ولنأخذ العبرة ممن التقوا في معركة “صِفِّين” واستمروا يسرفون في القتل حتى سئموا منه وخافوا ان يفنى الناس كلهم, فكان أن قرروا بعد كل ذلك الاحتكام إلى القرآن عندما رفع أهل الشام المصاحف على أسنِّة الرماح وقالوا لأهل العراق: بيننا وبينكم كتاب الله !.