ستة اتصالات تلقيتها أمس من شباب الاعتصامات في تعز وصنعاء تعقيباً على مقالي (على من يثور هؤلاء)؟ أدركت بعدها أن أقلامنا إن لم تحاور النخب الشبابية الطليعية, وتجادلها فيما حملته إلى ساحة الاعتصام من طموح, وتساير يوميات تجربتها فإن لا أحد سيكون في مأمن مما يضمره المراهنون على سقوط عدو الوطن قبل النظام. الشباب الذين تواصلوا لم يستفزهم المقال بحديثه عن الإقطاعيين وتجار السلاح ومهربي المشتقات النفطية وتجار الأدوية والأطعمة المهربة وغيرهم ممن انضموا مؤخراً إلى ساحات الاعتصام, بل ليؤكدوا ذلك, ويؤكدون أيضاً براءة الشباب من العنف والتخريب والاعتداءات التي تطول المقرات الحكومية والمنشآت الاقتصادية والخدمية.. ويتهمون أحزاب المعارضة بالوقوف وراء كل ذلك, وبتبني مخططات تقلد بها تجربة الثورة الليببة القائمة على العمل المسلح في إسقاط المدن الواحدة تلو الأخرى, وصولاً إلى تطويق العاصمة. ويعتقد الشباب – وقد وعدتهم بتوضيح وجهة نظرهم - أن ما تقوم به الأحزاب يترتب عنه سفك دماء يمنية كثيرة, وسينتهي بتمزيق اليمن بعد خراب كبير, وهو ما يرفضونه جملة وتفصيلاً؛ لأن (ثورتهم سلمية) ويؤكد المتصلون من تعز أنهم رفضوا دعوات من قبل العناصر الحزبية للزحف باتجاه المجمع الحكومي والمقر الرئاسي واقتحامهما, وأفشلوا المخطط؛ لأنهم يعتقدون لولا أنهم أفشلوه لفشلت ثورتهم.. فهم وإن كانوا يرفعون شعار رحيل النظام لكنهم لا يريدون حدوث ذلك عن طريق الفوضى ومقابل تمزيق وحدة الوطن, بل بآليات انتقال سلمي وديمقراطي آمن للسلطة حسب رأيهم. ما يمكن أن نسميه (زبدة الكلام) هو أن الشباب الذين تدفقوا ذات يوم إلى الشوارع وواجهوا تحديات مختلفة انتهت بفرض اعتصامهم على الجميع أصبحوا اليوم واثقين أن الأحزاب التي أعلنت انضمامها لاحقاً لهم لم تفعل ذلك سوى لتعلن (تأميم) ثورة الشباب باسم الشعب.. لذلك لم تعد بيانات وتصريحات أحزاب المشترك, ولا حتى قناة (سهيل) التابعة للشيخ حميد الأحمر تتحدث عن شيء اسمه (ثورة الشباب) بل يتحدثوا عن (ثورة الشعب) لتمنح الأمانات العامة للأحزاب نفسها الوصاية على كل شيء, وتتحول إلى ناطق رسمي باسم الشباب, ثم لتتخذ من التسمية الجديدة عباءة يتلفع بها الانتهازيون وتجار السلاح وناهبو الأراضي, ومهربو البترول والمتشددون والمتمردون وكل الباحثين عن مصالحهم الشخصية ممن يهرولون اليوم إلى ساحات الاعتصام.. ومن هنا بات الشباب يشعرون بأنهم في مأزق، وبأن (ثورتهم) التي أرادوها للإطاحة بالفساد والظلم والمحسوبية وتجار الحروب أصبحت بأيدي كل المتورطين بتلك القضايا.. وقد علقت الدكتورة سعاد القدسي على صفحتها في الفيس بوك على (مسرحية الاستقالات من المؤتمر والانضمام إلى الاعتصامات) تعليقاً ظريفاً أشارت فيه إلى أنه لم يعد هناك ما يمنع من سماع أن الرئيس صالح قد قدم استقالته من المؤتمر وأعلن الانضمام إلى ساحة التغيير للمطالبة بإسقاط النظام.. فالموضوع الآن أصبح واضحاً أنه ليس ثورة ضد الفساد - كما يتذرعون – وإنما من أجل كراسي الحكم، طالما أكبر تجار السلاح الذي غذى حروب اليمن ومعارك قبائلها منحته ساحة الاعتصام حصانة بصك غفران حزبي..! هذه الحقائق والقناعات أمست اليوم موضوع جدل الشباب الذين فجروا ثورة الاعتصامات من أجل التغيير.. وحين حدثوني بها شعرت بالمرارة التي يعيشونها, وأحسست بحجم الألم الذي يكابدونه جراء تأميم ثورتهم, وتجريدها من براءتها وصدقها وإرادتها الوطنية العظيمة, وتحويلها إلى (ثورة الشعب) من أجل الترخيص لتجار السلاح ومهربي البترول وناهبي الأراضي بالانضمام لها باعتبارهم أفراد الشعب.. وختاماً أقول لشباب التغيير: إن الشعب الذي صفق لكم هم البسطاء والمظلومون والعاطلون، وآن الأوان للخروج من حلف الفساد والانتقال إلى ساحة اعتصام جديدة مثلما بدأتم، وسيتكفل الشعب بنصرتكم, وإلا فهو في ذمتكم إن رضيتم البقاء مطية لقوى الفساد.. فلا تخذلوهم..!!