كان أمل العالم في عصر التكنولوجيا والعلوم، وتقدم الفكر الإنساني في عالم يتطور وتتحدد مصالحه، نعم كان المؤمل أن يهلّ القرن الواحد والعشرون بالأمان والأمل وتقلص الفقر المنتشر بشكل مخيف، فضلاً عن التعديات والاحترابات بين الشعوب الشقيقة والصديقة.. ذلك ما تنبأ به جمعٌ من العلماء والمنجمين.. ولكن ما كل ما يتمنى الإنسان يدركه..! فالذي يجري دون أن يكون الإنسان يدري, جاءت الأمور عكسية، عالم يموج بالفقر، والأمراض والخوف من المستقبل المجهول. زد على هذه المصائب “النمو الرديء” فهناك طبقاً لما جاء في التقارير الأخيرة الدولية أن أكثر من مائة بلد تتدهور اقتصادياً عاماً بعد عام، مقارنة بما كانت عليه قبل عشرة أعوام، فالمليارات المكدسة للمليارديرات في البنوك الداخلية والخارجية لم تزد من حياة الشعوب المظلومة والمقهورة إلا تعاسة وفقراً وأمراضاً. فماذا يفيد الثراء إذا لم يكن مصحوباً برفاهية وإسعاد الشعوب المتدهورة اقتصادياً. وتعالوا إلى الأرقام التالية التي يوضحها لنا الأخ محمود المراغي “الكاتب والمحلل في مجلة العربي” وذلك عن المليارات المكدسة والنمو الرديء للعالم.. فما معنى وجود 378 مليارديراً في عالم يزداد معظمه، فقراً وتدنياً في المعيشة!! إن النمو الرديء عديم الشفقة الذي لا يستفيد منه غير الأغنياء الرأسماليين وطغيان الحكام، ولسنا هنا بصدد المبالغ الخيالية لثرواتهم ولكننا نفكر أين ستذهب تلك البلايين من الدولارات. وكما يقول “محمود المراغي”: إن الحقائق الأساسية التي يحملها التقرير على قدر كبير من الإثارة فهناك أكثر من مائة وثمانية بلدان تتدهور اقتصادياً مقارنة بما كانت عليه قبل عشرين عاماً، ذلك ما يؤدي إلى انشطار العالم إلى فئتين: معدومين وموسرين.. فالفجوة بين الأغنياء والفقراء تزداد اتساعاً خاصة مع ثوران الشعوب التي فقدت ميزان العدالة, فالفجوة تتسع سواء بين الأمم أو داخل البلد الواحد، ذلك ما يجعل العالم طبقاً لكلمات التقرير ينتقل من حالة اللا مساواة إلى حالة اللا إنسانية. ويأتي في التقرير الأخير أن هناك نوعاً آخر من النمو الرديء، وهو “النمو الأخرس” فالثروة تزيد.. الديمقراطية غائبة، والمشاركة السياسية حلم رغم أن ثلثي سكان العالم يعيشون من الناحية الشكلية في ظل أنظمة ديمقراطية. أما النوع الأخير فهو “نمو بلا جذور” نمو تضمحّل فيه الهوية الثقافية, فهناك حوالي عشرة آلاف ثقافة متميزة في العالم.. كما يقول المراغي.. لكن الكثير منها معرّض للتهميش، أو الفناء، وربما يأتي نوع من النمو الرديء، نمو بلا مستقبل، إنه النمو الذي يأكل الأخضر واليابس، يستهلك الثروات الطبيعية، وهنا لا نظر للمستقبل أو لأجيال لم تولد بعد، إنه بناء الحاضر على حساب المستقبل.