خلافاً للكثير من التهويل الإعلامي لوضع السلطة في اليمن اتجهت أحداث الأسبوعين الماضيين نحو إعادة الساحة اليمنية إلى وضع أكثر توازناً لحالة الصراع بين أقطاب العمل السياسي, فيما ظل الأثر السلبي على الجانب الاقتصادي يفرض نفسه بازدياد, فردود الفعل الحادة والمتهورة أحياناً التي أعقبت حادث قتل عشرات المعتصمين بصنعاء مثّلت نكسة معنوية في القاعدة الشعبية للسلطة أومت للكثيرين بانهيار وشيك للنظام في ظل تجاهل البنية الاجتماعية والثقافية لليمن والآليات التي تسير وفقها العملية الترويجية لأي حدث. فالساحة الشعبية اليمنية بحكم تدني الوعي الثقافي تتسم بأنها سريعة الانفعال ومتقلبة، وبالتالي فإن أموراً عدة تضافرت لامتصاص النقمة, منها الوقت القياسي في ضبط 13 متورطاً بالحادث دفعوا الشبهات بعيداً عن ساحة أجهزة الدولة ثم إعلان قادة عسكريين ومسئولين حكوميين انضمامهم إلى ساحة شباب التغيير وهو الحدث الذي أولته المعارضة كل اهتمامها إلى الدرجة التي خطفت أضواء الإعلام وساحة الرأي العام من ساحة التغيير أو الديمقراطية كما أسماهم الرئيس. ويبدو أن المعارضة تفتقر لكثير من مهارات العمل السياسي فهي غرقت بنشوة انضمام القادة المنشقين دون أن تعلم أنها بذلك قدمت خدمة جليلة للنظام بقطع الطريق على منابر الفتنة التي كانت تلهب العاطفة الشعبية وتستثمر عفوية اليمنيين في التأليب سياسياً ضد النظام من خلال نواحها على دماء الشهداء, حيث تحولت الساحة الشعبية إلى الحديث عن اللواء علي محسن وتداعيات الانشقاق العسكري والتكهنات حول المستقبل وغيرها من الأمور التي أثارت جدلاً واسعاً حتى في أوساط المعتصمين أنفسهم وتولدت عنها ردود فعل سلبية على المعارضة خرج على إثرها الحراك والحوثيون وجموع غفيرة من الشباب من ساحة الاعتصام. إن هذا المنطق الذي حاولت من خلاله المعارضة اللعب بورقة القوة العسكرية ما لبث أن قادها إلى ما لم يكن في حسبانها, إذ إن الحزب الحاكم لجأ إلى مبادلتها لعب الأدوار بإشهار ورقة التظاهرات الشعبية المناصرة وحشدها في الشوارع في استعراضات مليونية قلبت طاولة اللعبة السياسية, حيث إن تظاهرة (جمعة التسامح) لفتت أنظار الرأي العام مجدداً إلى سعة القاعدة الشعبية المناصرة للرئيس ولأنها أظهرت حجم المعارضين ضعيفاً بالقياس إلى ثلاثة ملايين متظاهر في العاصمة فقط. لاشك أن الصدمة كانت واضحة جداً على المعارضة من خلال حملتها الإعلامية المتخبطة لتشويه أنصار الرئيس بالادعاء تارةً أنهم قبضوا فلوساً مقابل ذلك ثم الادعاء أن البث المباشر للفضائية اليمنية كان مدبلجاً بمشاهد من انتخابات 2006م، ثم القيام بتزوير صورة للحشود المليونية نشرتها “الجمهورية” والادعاء أن الصحيفة زورتها لزيادة العدد لكن المحاولة افتضحت وفي الإجمال ترجمت تلك الحملة قوة الصدمة, ليس فقط لأن العدد كان كبيراً ويناقض تصريحاتها القائلة بأن الرئيس لم يعد معه أحد بل أيضاً لأن تلك الحشود أنعشت الروح المعنوية للساحة الشعبية بعد نكسة شهداء الديمقراطية فقادت إلى ردة شعبية واسعة من صفوف ساحة التغيير إلى صف النظام لذلك وجدنا حشود (جمعة الإخاء) الماضية ارتفعت في العاصمة إلى خمسة ملايين متظاهر من مناصري الرئيس وإذا استمرت التظاهرات فإن موقف المعارضة سيكون محرجاً للغاية. إن هذه التوازنات الجديدة خفّفت القلق من الفوضى الخلاقة التي أثير حولها الكثير من الجدل وقد تدفع أحزاب المشترك إلى التخلي نسبياً عن تشددها تجاه الخيارات المطروحة, خاصةً أن تطورات الفترة الماضية أفرزت القوى السياسية كلها وأظهرت بجلاء كبير أن ساحات التغيير ماهي إلا ساحات لأحزاب المشترك وما الشباب إلا ورقة ترويجية تستخدمها الأحزاب للضغط على السلطة وابتزازها, فهذه الساحات لا يوجد من يمثلها سوى المشترك ولا يوجد من ينطق باسمها ويرد على المبادرات سوى الناطق بلسان المشترك ولا توجد أي قيادة لها لخوف المشترك أن تفرض قيادتها غير ما يرجوه أو تنقلب على وصايته عليها ولكن في النهاية نجد أنفسنا أمام سؤال مهم: إلى متى يبقى اليمن على هذه الشاكلة؟ أليس هذا الزمن المتوقف في ساحات التظاهر هو زمن متقطع من العمر الحضاري لليمن ومن مستقبل الأجيال..!؟