حين يتخلى العالم أو الشيخ أو الداعية عن دوره المطلوب منه شرعاً في إشاعة السكينة العامة وإصلاح ذات البين، فإنه يتحول إلى بوقٍ من أبواق الفتنة والدمار والخراب.. ومنذ أن بدأ مسار الفوضى الخلاقة في العالم العربي وأنا أتابع تصريحات يوسف القرضاوي التي يطل بها بين حين وآخر من على قناة الفتنة “الجزيرة” وأستغرب التخبط والتناقض المريب والغريب في تصريحاته النارية، التي تزيد الفتن اشتعالاً والفساد فساداً، لأن تصريحاته تأتي مصبوغة “بالدين” الذي يحاول القرضاوي أن يطوعه لأدائه وفتاواه الشاذة، وإذا كان القرضاوي تحدث عن الأحداث التي وقعت في مصر بصفته مصرياً، فما شأنه من اليمن واليمنيين حين يدعوهم إلى الفتنة والخروج على الحاكم الشرعي المنتخب بإرادة شعبية حرة..إن القرضاوي للأسف أصبح سيفاً مصلتاً على الشعوب العربية واستقرارها، ومنفذاً بعلمه أو بدون علمه لأجندات خارجية تريد تقسيم الوطن العربي وإضعافه وإنهاكه نهائياً، بحيث يصبح أعجز وأضعف من ذي قبل.. وحين بدأت الأحداث في ليبيا دعا القرضاوي الشعب الليبي إلى الخروج على القذافي ومواجهته بكل ما يستطيعون من عتاد وقوة، لا لشيء وإنما لأن الجزيرة والقائمين عليها أرادوا إسقاط القذافي بأي ثمن، ولو مات نصف الشعب الليبي، ألم يكن من الأولى أن يذهب القرضاوي على رأس وفد إلى ليبيا ومناقشة العقيد والخارجين عليه، ودعوتهم إلى طاولة الحوار والمفاوضات، حقناً للدماء، وحفظاً لمصالح ومكتسبات الشعب الليبي؟! لكن القرضاوي اختار الطريق الذي نشأ عليه في جماعة الإخوان المسلمين وهو طريق الثورات والانقلابات والاغتيالات، فحرام أن يدعو القرضاوي الشعب الليبي إلى الفتنة وهو في قصره الفخم في الدوحة آمن مطمئن ومنعم ومرفه، حرام حرام..وبعد أن تدخلت القوات الأمريكية والفرنسية والبريطانية في قصف ليبيا، سُئل القرضاوي عن هذا التدخل الغربي وهل هو غزو صليبي، فنفى ذلك وكان رده صادماً حين قال: إن ما يجري من عمليات للقوات الغربية في الأراضي الليبية ليس غزواً صليبياً، وإنما هو لحماية المدنيين، وحقيقة لا أدري أين ذهبت رجاحة عقل القرضاوي إن كان عنده عقل من أساسه، ألم يسأل نفسه: لماذا لم يحم الغرب سكان غزة حين تعرضت للقصف البربري والهمجي من الصهاينة؟ ولماذا لم ينفذوا حظراً جوياً على إسرائيل؟ إن الغرب يعترف أن ما يجري الآن في ليبيا هو حرب صليبية، فقد قال بوتين الرئيس الروسي السابق، ورئيس الوزراء حالياً: إن ما يحدث في ليبيا من قصف جوي من قبل الغربيين هو بمثابة حرب صليبية. ومن تناقضات القرضاوي أنه صنّف ما يحدث في البحرين على أنه فتنة وأفتى بحق الدولة البحرينية في استخدام كافة الإجراءات لقمع المتظاهرين، لكنه بالنقيض من ذلك أفتى بشرعية مطالب المتظاهرين في اليمن وليبيا ومصر وتونس، وإذا عُرف السبب بطل العجب، وذلك لأن القائمين على القناة أرادوه أن يفتي هكذا لأن البحرين دولة خليجية، وقطر التي فيها قناة الجزيرة من دول مجلس التعاون الخليجي وتربطها اتفاقات أمنية مع بقية دول الأعضاء، ولكي تخرج الجزيرة من هذا المأزق وليجدوا تبريراً مقنعاً للمشاهدين حين يسألوهم لماذا لا تتعاطفون مع المتظاهرين البحرينيين؟، استعانوا بالقرضاوي ليفتي لهم بعدم جواز المظاهرات في البحرين، ووجدت الجزيرة رداً مقنعاً لمن يطالبهم بتغطية الأحداث في البحرين. ولا يفهم من كلامي هذا أني أؤيد المتظاهرين في البحرين، لكني أردت توضيح ازدواجية المعايير عند القرضاوي. والشيء بالشيء يُذكر فقد سمعت أحد دعاة الإخوان المسلمين في السعودية يفتي بعدم جواز المظاهرات في دول مجلس التعاون الخليجي، لكنها جائزة في اليمن وتونس ومصر وليبيا، فبربكم أليست هذه الفتاوى تلاعباً صريحاً بالدين وتفصيله حسب مانشاء وتشاء مصالحنا، بربكم كيف تصبح فتنة “المظاهرات” عندهم حراماً وعندنا حلالاً؟! إن إقحام الدين بهذا الأسلوب الفج في السياسة حرام حرام، لأن دين الإسلام هو للناس جميعاً وأحكامه وتشريعاته السمحة لكل المسلمين دون استثناء. ولا عتب على القرضاوي لأنه نشأ وترعرع في أحضان جماعة الإخوان المسلمين، التي من أهم أدبياتها الوصول للحكم والسلطة بأي وسيلة وأي ثمن ويمشون على قاعدة مشهورة تقول:«الغاية تبرر الوسيلة» فوصولهم للحكم أسمى أمانيهم، ولو سفكوا الدماء وأشاعوا الخراب، مادام ذلك سيوصلهم إلى الكراسي.