الزمن الفيزيائي الذي يُقاس بالثواني والدقائق والساعات يتحول أحياناً ليتكثّف أو يتمدد، وما يحدث في العالم العربي أن الزمن الذي كافح النظام العربي لتمديده إلى ما لانهاية أصبح مُوجزاً، مُكثّفاً بصورة لم نعهدها من ذي قبل، فما كان مطلباًبالأمس القريب يتحوّل إلى مطلب مُلح، وما كان مُلحّاً قبل ساعات يتحول إلى استحقاق أكثر إلحاحاً. وتستقيم معادلة الأخذ والعطاء هنا بين توق الشارع العربي للتغيير السريع الناجز، وبين إقامة السُّلطة في المنطق الآنوي السياسي الباحث عن مخرج لهذا القلق المتسارع الراكز في أساس وتضاعيف المطالب المشروعة. من المؤسف أن الامور ماكانت ستصل إلى ماوصلت إليه لو أن المعنيين بالإدارة والتسيير انتبهوا قبل فترة مبكرة، وماكانت لتتحوّل إلى تراجيديا يومية لو أن القائمين على أمر السلطة ومتتالياتها المعقدة أدركوا أن الشارع العربي لم يعد مُشابهاً لذاك الذي كان قبل عقد أو عقدين من الزمان، فالمُتغير اليوم لم يعد محلياً واقليمياً فقط، بل إنه عالمي بامتياز. ذلك أن فضاءات المعلومة المقرونة بالوسائط المتعددة المفتوحةعلىمصراعيها أزالت الحواجز، وكسرت التابوهات وجعلت المُتلقّي العادي شريكاً في صنع الحدث حتى وهو في قارعة الطريق. ولقد رأينا كيف أن كبريات الفضائيات العالمية اعتمدت على مبادرات الشباب المتواجدين في ميادين الكر والفر، وكيف أنهم صنعوا خبراً وحدثاً وصورة، بل قدموا صورة ذات مصداقيةعالية قياساً بتلك المفبركة سياسياً ومهنياً والتي تقدمها الفضائيات الرسمية في مشارق العالم العربي ومغاربه . سقطت أوراق التوت التي طالما اعتد بها النظام العربي ليخفي عيوبه الظاهرة والمستترة، وولجنا إلى زمن ليس كالزمان، ومكان لم يعد مُحايثاً للمكان. هل يدرك صانعو الإعلام الرسمي العربي أن ماكان صالحاً بالأمس القريب لم يعد صالحاً اليوم؟ وهل يمكن للسياسي القابع في أوهام متاهاته أن يستوعب استحقاقات العصرالتي لامفر منها: الشفافية،والمشاركة، والمواطنة المتساوية، وسيادة القانون، وميزان الحق والواجب المسنود بالعقد الاجتماعي للأمة ؟ [email protected]