كانت دولة الصليحيين اليمانية تجربة فريدة للنظام اللامركزي القائم على تفاعلية إبداعية بين أقاليم الدولة التي كانت تسمى (المخاليف)، وكان الأمن والاستقرار والرفاه صفة لم تقف عند تخوم رعايا الدولة، بل شملت جميع الكائنات، فقد سجل التاريخ في ذلك العهد وفراً هائلاً من الانتاج المادي بالترافق مع ازدهار روحي، وكان التعايش وازدهار الفنون والآداب دالة أخرى لزمن يزدهر بالنماء والثراء. قال كارل ماركس ذات لحظة إلهامية في بيانه.. قال: إن الوعي الاجتماعي للبشر انعكاس لوجودهم الاجتماعي.. وإن نواميس العدل والتوازن والرخاء كفيلة بمسح الأحقاد والعصبيات. وقد كان التاريخ الملموس للبشرية السوية خير دليل على ذلك ، وقد شهد اليمن على عهد الملكة اروى هذا النسق والانتظام الحميد لمجتمع يتعايش محفوفاً بالمحبة والتعاضد والتشارك في الماء والكلأ . هذه الحقائق كانت دافعاً للفنان محمد لحسون، ولقد أحسن صنعاً حين رسم الملكة أروى استناداً للوصوف والاشارات المسطورة في تضاعيف للكتب. وهنا نتوقّف ملياً أمام اللوحة البورتريت لنقرأ ما يلي: - اختار الفنان لقطة افتراضية جانبية (بروفايل) مع تركيز عدسة الرؤية على تفاصيل الملابس وترميزاتها. - كانت الصورة المُقرّبة اختياراً موفقاً، حيث إن وضعية البروفايل وفّرت على الفنان مشقّة الرسم المباشر للوجه وما يقتضيه من توازنات ثنائية ومعرفة أكاديمية عالمة بفن تشريح الجسوم، ولهذا قُلت بدايةً أن لوحة أروى بدت أيقونة عصرية بامتياز من خلال التلقائية والعفوية واختزال العناصر البصرية ذات الصلة بالتأسيس المدرسي الأكاديمي. - بدا بورتريت الملكة مُحايداً من الناحية التعبيرية، ومفتوحاً على اختيار السهل البسيط لملكة تاريخية لا نعرف صورتها.. ولكنها هنا تبدو كما لو أنها لُقية أثرية. - ناور الفنان على المساحات اللونية متخلياً عن التقانة الأكاديمية ومنفتحاً على مايمكن أن أُسميه غنائية العناصر المتضادة، فجاءت المُعالجة البصرية غنية بتداعيات نابعة من وعي اللحظة.. فكانت تلك واحدة من خصائص العمل، وربما الأساس الذي حدا بالمتحف لعرض هذه اللوحة . - المساحات المحيطة بوجه الملكة عبّرت عن دراسة ضافية قام بها الفنان لتلك المرحلة، فالزخارف والمنمنمات والعبارات المشيرة إلى عتبات المعرفة شكّلت في جملتها قراءة أفقية لشيفرة تنتمي لثقافة ذلك الزمان. - أدرك الفنان التناغمية اللونية من خلال تناوب الخلفية الزرقاء الموحية، مع ثوب الملكة، وتقاطع هذه الخلفية مع الشريط اللوني الأصفر، ضمن توافقات بصرية تتّسع للأبيض والأخضر المسكُوبين على صورة الملكة، في إشارة إلى الجوهر النبيل الموشّى باللآلئ والجواهر التي ترتديها صاحبة الصورة. - نلاحظ درجة الثراء اللوني والزخرفي مع استغلال للخلفيات المكتنزة بالرموز والإشارات(نمنمة/ زخرفة/ رقش / حروفية)، ودونما إخلال بالتوازن العام للصورة. - أكثر ما لفت نظري تلك العناية غير المألوفة بالإطار الخارجي الذي أكمل اللوحة بتدوير ذهبي يميل للاصفرار، بالترافق مع نصوص “كلوجرافية” عربية ذات صلة بالخط التي ساد في تلك الأيام. [email protected]