عرفت الفنان الحاضر بسعة العطاء الثر، خليفة الشيمي منذ سنين خلت ، وأزعم أنه حالة فنية وجودية فريدة في التنقلات والتحولات الإبداعية، النابعة من دربة فنية ومهارات إبداعية وتأسيس أكاديمي منهجي، سمح له بالتحليق في معارج الأنواع التعبيرية ، ومدهشات الوسائط البصرية ، فالفنان الشيمي لم يترك وسيطاً تعبيرياً إلا وتعاطى معه ، فقد رسم بالماء والزيت والأحبار والأكر يلك ، وكان في منازل تعامله الأفقي مع تلك الألوان مقيماً في خصوصيته الفنية . وعندما أتحدث عن أميز خصوصية عند الشيمي أجد نفسي أمام غنائيته البصرية المتروحنة بالجمال والجلال ، والمتماهية مع القرآن الكريم في تجربة الخط العربي والحروفيات ، والسابحة في أثير الزخرفة والنمنمة والرقش ، مما يتسع له الحديث ، وقبل أن ألج إلى فضاءات أعماله وتنوعها الثر، أكرر أن الغنائية البصرية المموسقة بالبناء اللوني، والمدوزنة بالتناسبية الصارمة، كانت وما زالت السمة الأصيلة لتجربته الفنية . الخط العربي بمداركه وأنساقه وحواشيه الزخرفية تجربة أصيلة عند الفنان خليفة الشيمي، وقد أنجز أعماله الفنية في الخط العربي بالتناغم مع استخدامات شيقة للألوان ، وعناية خاصة بالامتداد الأفقي، عبر الزخرفة المؤطرة لفرائده الكتابية، والاختيارات الدقيقة للإطارات الخشبية الموسومة بتكاملية العمل ، وفي هذا الباب يمكننا اعتبار الفنان الشيمي أحد أبرز الخطاطين العرب الدارسين لهندسة الخط العربي وخوارزمياته الجمالية . تالياً، قدم الفنان تجربة موازية في الحروفية العربية ، بالترافق مع عطاء واسع في هذا الباب، حد الاحتياط الكبير ، فالمنجز الفني الحروفي للفنان يتسع لمعالجات بصرية لونية تناجز الهارموني بالكونتراست .. التناغم بالتضاد ، مع قدر كبير من التلقائية السابحة في هواء الكيفية ، والناشرة لمعالم صروحها الجمالية في هواء السببية ، والمستغرقة في الاشتغال، حد المحايثة المجدولة بمنطق اللوحة وتضاريسها اللامتناهية . هنا كان الحرف دالة الموسيقى البصرية ، ومعارج التفافاته وتقوساته وامتداداته دالة القيمة الفنية المجردة . وبالتوازي مع تجربتي الخط والحرف نتوقف مديداً أمام مصفوفة اللوحات المرسومة بالأحبار المتوهجة بسطوع الألوان ، حيث تآلفات الأزرق والأحمر والأصفر وما يحيط بها من تضاعيف لونية لامتناهية . هذا التجربة النارية في جمالها كانت موسومة بالحجوم الصغيرة المختارة بعناية الكثافة، والبحث عن التجريدات المغموسة بالألوان . وعلى خط متصل جاءت تجربة الأعمال اللونية الغنائية في البعد الثالث، لنقف على مصفوفة أخرى من اعمال الرسوم البانورامية الكامنة في أساس الطبيعة المخطوفة بالهارموني وأقواس قزح، في توليفة أخرى تتواجد مع سابقاتها، لنحتفي بعد حين بالرقش والنمنمة الصافية المتطايرة ، وأن نبحر مع الفنان تالياً، في التجريد الغنائي الدلالي حمال الأوجه . تلك إشارات استعادية وامضة لتجربة فنية تستعصي على المحاصرة، في سانحة من تداعيات عابرة كالسحب المسافرة ، فما قلته ليس إلا عوابر دالة على منظومة أعماله كما قرأتها بعدسات عيني، ومرئيات دواخلي، ولكن ما أنا على يقين منه، أن الفنان خليفة الشيمي قيمة فنية استثنائية في المدى الفني العربي المعروف . [email protected]