هذه المرة زرت متحف مدينة «شيفلد» البريطانية لأقف وجهاً لوجه أمام لوحة زيتية للسيدة أروى بنت أحمد رسمها صديقي “ لحسون” .. كما وقفت على سلسلة من أعماله البصرية في منزله بذات المدينة، فتيقّنت أن هاجس الفنان فرض نفسه عند صديقي، وأنه الآن في حالة إبحار إبداعي ينْسكب عبر ثقوب التعب الضيقة، ومسارب الأفكار المترجرجة. لا أود في هذه العجالة أن أقف على كامل المنظومة التشكيلية التي رأيتها، بل على تجربة البورتريت المقرون بالسيدة أروى بنت أحمد الصليحي، ولكن، وقبل أن أتحدث عن السيدة أروى أشير إلى بعض عناصر أساسية في تجربة الفنان كما يلي: يعتمد الفنان على الرسم بالألوان الزيتية مُعيداً إلى الذاكرة المجد التليد لتاريخية لغة التشكيل.. فالرسم بالزيت صفة الأيقونة الكنسية الأولى التي اعتدّت بمريم العذراء وابنها يسوع عليهما السلام، فيما كانت مادة الزيت الخارجة من شموع الصلوات الكنسية تعبيراً عن روحانية المادة المستمدة من صور الأنبياء والقديسين. لا يهمنا هنا الحديث عن خصائص الأيقونة الكنسية بل عن تلقائيتها المقرونة بالعامّية الفنية arta naiva، كما يهمنا ملامسة خصائص اللون الزيتي القابل لتعدد المعالجات، وتلافي الأخطاء، والديمومة الزمنية. أدرك الفنان مثل هذه الخصائص، وربما تقاطع معها عفوياً ليرسم السيدة أروى بنت أحمد بروحية أيقونية زيتية، وبتعبير تلقائي لا يعتدُّ كثيراً بالتشريح الأكاديمي للصورة المرسومة، بل بتلك الترميزات الدلالية المتواترة، عطفاً على المشاهدة، واستتباعاً لها. وقبل الحديث عن اللوحة وأهميتها التوثيقية لا بأس من الإشارة إلى الملكة أروى بنت أحمد الصليحي التي حكمت اليمن في القرن السادس عشر الميلادي، فقد كانت دولة الصليحيين في ذلك العهد تمثل ومضة ضوء ساطع في الزمن العربي الذي تراجع حضارياً بالتزامن مع سقوط الأندلس وانتشار النموذج المملوكي للدولة، بما حمله من انشقاقات في بنية الجسد الحضاري العربي الإسلامي وخاصة في القرون الأخيرة.