ازدهر رسم الأيقونات الكنسية في القرن العاشر الميلادي .. وكانت تلك الأيقونات عبارة عن رسومات متواضعة تجسد خيالياً شخص السيد المسيح والسيدة مريم العذراء .. وكانت تعتبر ركناً ركيناً في كنائس القرون الوسطى معبرة عن حالة التماهي بين التعبير الفني البسيط والرؤية الدينية الكنسية . ولقد كان راسمو الأيقونات من أفراد الكنيسة ولم تكن لموضوعات أيقوناتهم أي علاقة بالوسط المحيط، كما أن التشخيص التصويري كان مقرونا بالمسيح والعذراء .. وفي مرحلة لاحقة تم تصوير بعض الكهنة . لم يكن التماهي مع الرؤية الدينية المسيحية مقصوراً على الموضوعات والأمكنة التي فيها تنفذ هذه الأيقونات، بل أيضاً بالمواد المستخدمة كالزيت الذي يؤتى به من بقايا الشموع الكنسية والألوان التي تحضر داخل الكنيسة . كان الاعتقاد أن هذه المسألة تضفي على الأيقونة روحية كنسية دينية وأنها تجسيد للحياة الباقية . ولقد كانت كنيسة القرون الوسطى الأوروبية كنيسة شاملة تحتكر المعرفة السابقة واللاحقة وتكتنز بالغموض والصرامة المدرسية مما أوصلها إلى صدام مع العلم والعلماء . إلى هنا ونتبيّن بعض الملامح العامة للفن الكنسي.. ولكن ماذا بعد ذلك وما الفرق بين الأيقونة واللوحة الكلاسيكية التي ازدهرت في القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين .. وكانت ايطاليا الحاضن الأكبر لهذا التيار الفني الكبير ؟ الفرق الأول ان اللوحة الكلاسيكية تطورت تقنياً من حيث تنوع الألوان وتحضيرها خارج الكنيسة .. أي التفاعل مع الطبيعة واستقاء الألوان من موادها الكثيرة .. الأمر الذي فتح الباب للأبحاث العلمية الأولى والمتعلقة بالألوان ..تلك الأبحاث الموصولة بالعلماء المسلمين وخاصة الفارابي صاحب ( رسالة الألوان ) والتي تعتبر محطة هامة من محطات دراسة ألوان الطبيعة استنادا إلى المعارف الفيزيائية والعقلية .. وفي هذا الباب اسهم الفنان الفلورنسي ليوناردوا دافنشي ، كما تمثلها ممارسةً وتجريباً مايكل انجلو انتونيوني و رافائيل . الفرق الثاني نراه في تطور علم التشريح مما أصبغ على الأعمال الكلاسيكية توازناً تشخيصياً يحاول مُجاورة الجسم البشري وتضاريسه استناداً إلى معرفة عميقة بالتشريح. الفرق الثالث أن اللوحة الكلاسيكية خرجت من دائرة الكنيسة إلى فضاء المجتمع الإقطاعي النبيل حيث نجد أن هناك صوراً للنبلاء والنبيلات من الطبقة الإقطاعية الحاكمة .. كما نلاحظ عناصر الطبيعة في خلفية تلك اللوحات . رابعاً وليس آخراً.. نلحظ درجة الخيال الجامح في تلك الأعمال التي استقت مفرداتها من العهدين القديم والجديد وحاولت التساوق بصرياً مع ما ورد في تلك الكتب من تواريخ وسير وأساطير وتوقعات . مما سبق يمكننا أن نصل إلى قناعة بأن فن التصوير الكلاسيكي في أوروبا لم يكن فناً كنسياً دينياً فقط، بل كان البداية الأولى لعلاقة النخب الثقافية والعلمية بالمجتمع والطبيعة .. بل إن بعض أواخر الكلاسيكيين ألمح إلى صور الشحاذين والفقراء مما كسر حاجز الصمت. تلك الخطوة الهامة التي قام بها الكلاسيكيون أفضت إلى تنوع في إطار نفس المدرسة، ثم فتحت الباب واسعاً أمام الحركة التأثيرية الفنية الأوروبية.