ما الذي يمكن أن يقدمه الفن المعاصر إذا لم يتكئ على قاعدة رؤيا وفكر راسخين؟!. بل إن هذه الفرضية تطال كل الفنون البصرية منذ الملحمة الكبرى التي صنعها الكلاسيكيون في إيطاليا في القرن الثالث عشر. فالفنان الفلورنسي الكبير «مايكل انجلو» كان يضمن أعماله رؤى وأبعاداً لم تكن في حكم الوارد عند عتاة التنظير الكنسي الذين ألحقوا فن التصوير بمقولات «العهدين، القديم والجديد» وأيضاً بطبقة النبلاء التي مثلت الوجه الآخر للسلطة الكنسية. مايكل انجلو وغيره كانت لهم لمسات شفافة أو حمالة أوجه، فنجد ذلك فيما كانوا يرسمون أو ينحتون من موضوعات ازدهرت في ذلك الحين. وإذا ما تجولنا إلى الأمام قليلاً ووصلنا إلى مشارف القرن الثامن عشر في أوروبا عندما وصل القلق الفكري والفلسفي إلى ذروة مميزة؛ سنجد أن رواد المدرسة التأثيرية في الفن التشكيلي لم يكونوا صادرين فقط عن تطور في التكنيك؛ بل أيضاً من مقدمات فكرية وفلسفية وسمت أبرز العقول في ذلك الوقت. لذلك فإن انبجاسات الجديد سبقها مخاض فكري عسير بل ترافق معها. بحيث وجدنا أن سيزان، لوتريك، وبيسارو، وفان جوخ، انتقلوا لاحقاً بأعمالهم إلى الشارع والحقول، وصرفوا النظر عن المنهج السابق الذي كان يعتبر اللوحة مجرد أيقونة جميلة تصور المثال أو ما ينبع عن هذا المثال من تداعيات دنيوية مزاجها تحالف الكنيسة مع الارستقراطية الاقطاعية. رفض التشكيلون هذه المراتبية القسرية مفهومياً كيما يتحولوا إلى دعاة عهد جديد يبشرون به ويخطون بداياته الأولى.. بل يوقنون بأن نذير التغيير قد بدأ دون رجعة. هذا الناموس هو ذاته يجعلنا نفترض أن فن اليوم ليس له أن ينفلت من المفهوم والمرجعية الفكرية والفلسفية حتى يقدم رسالته الجمالية والدلالية. [email protected]