عرفت الصديق “محمد لحسون” منذ عقود خلت، وكنا نتداعى معاً في محاصرة نوائب الدهر والفكر السياسي الذي استحوذ على عوالم سبعينيات المتاهات من القرن المنصرم. يومها بدت مدينة الليل والمرايا “عدن” حالة مفارقة للحلم الألفي البهيج النابع من تضاريس الأيديولوجيا وترميزات اليسار الإنساني، فإذا بصخرة الواقع الناتئة أقوى من النموذج الذهني، والعصبية القبائلية المُتلاقحة مع مؤسسات القوة أوفر حضوراً من المدنية والتمدُّن، رغماً عن تاريخ عدن وخصوصياتها الكونية . في تلك الأيام انسابت عوامل الزمان والمكان لتضعنا أمام مفارقة مؤكدة.. عدن قادمة على أيام عصيّة وأحوال داكنة في تراجيديتها.. وهذا ما كان.. لقد افترقنا هنالك عند لحظة الجنون الكبير، ولم نلتق إلا بعد مرور أكثر من عقدين من الزمان وقد فعل بنا الزمان ما يفعله دوماً بمن يتنكّب مشقة الإبحار في متوالياته الصعبة.. تلك اللقاءات الوامضة في لندن والقاهرة أعادت إلى ذاكرتي تفاصيل كانت قد ذهبت وتوارت وراء غلالات الأيام ونوائبها.. ولعل أهم ما توارد في ذاكرتي المُرهقة بالضنى مقروناً بتلك الأحلام الوردية بحالة يمانية أكثر بهاءً وتطوراً. كان الشاهد على تفاصيل المكان المسحوب من تحت جلودنا مقروناً بمحافظتي عدن ولحج.. والتداعيات المتواترة على درب التسلسلات الإجرائية لمتواليات الاحلام والحقائق المريرة بدتْ كما لو أنها خوارزميات رياضية جبرية. كان “ لحسون” يستفز في داخلي الفنان التشكيلي وكنت أتداعى معه في رسم مرئيات عابرة كالسحب المسافرة.. وكان يعدني بمواصلة درب التشكيل. نسيت كل هذه التفاصيل حتى جاء اليوم الذي أعادني فيه مرة أخرى إلى مرابع السبعينيات وذاكرة الرسومات العابرة، حدث ذلك في مدينة شيفلد البريطانية، وفي حضرة الملكة اليمانية الرفيعة «أروى بنت أحمد» التي اختارها الفنان لتكون الرافعة الاستثناء في تجربته التشكيلية التي مازجت بين روحانية اللون الزيتي، وحرية العاميّة الفنية الموشاة بالرموز والدلالات، ما سنأتي عليه تباعاً. [email protected]