قال الشاعر الحميري: وفي البقعة الخضراء من أرض يحصبٍ ثمانون سداً تسكب الماء سائلا والبقعة هذه هي في الجهة الجنوبية الشرقية من كل من مدينة كتاب ومدينة يريم وهما من محافظة إب. ومع أن قاع الحقل بكامل حدوده وقاع جهران كذلك هما من أخصب أراضي اليمن وأخيرها, وقد تحدثت عنهما كتب المستشرقين والسياح القدامى الذين جاؤوا للبحث عن آثار وتراث ومنجزات الدولة اليمنية منذ عهد معين وسبأ في مأرب والجوف وحتى الحميريين في المنطقة الوسطى التي من ضمنها أرض يحصب. ثمانون سداً أنشئت في فترة ذهبية من العصور اليمنية انتهت ودفنت وبقي بعضها شاهداً على مدى التقدم والرقي الذي شهدته اليمن كدول منفردة متعاقبة ودولة مركزية كانت قد بلغت أوجها في عهد الصليحيين وعلى رأسهم الملكة أروى بنت أحمد التي شيدت الجسور في جبلة والسياني وذي السفال, والغابات والاصطبلات للخيول والبغال والحمير والجمال التي كانت تجوب اليمن عرضاً وطولاً.. لأغراض نقل البضائع بين المدن والقرى وبجانبها الأماكن العامة لأصحاب تلك الحيوانات من التجار ولا أذكر وأنا بصدد هذه السدود أن أحداً من المهتمين والمسئولين عن الزراعة وربما الباحثين والمهندسين قد طرحوا وفي وقت مبكر سؤالاً عن سبب إهمال هذه القضية في خضم الحديث عن الزراعة وبناء السدود والحواجز لري الأراضي الشاسعة في القيعان والأودية, وعدم المطالبة بإعادة بناء الثمانين سداً في أراضي يحصب, وهي لاتحتاج إلى مال كثير أو مهندسين يمسحون المنطقة بكثير من الجهد والتعب لأن معالمها أو بعضها باقية في الأماكن التي اختيرت بدقة في ذلك الزمن الغابر لصنع حضارة راقية أساسها الطعام والألبان واللحوم. وقد يقول قائل: إنه لامعنى لكتابه موضوع كهذا في ظرفنا هذا لأنه لن يقرأه أحد وإذا قرىء فلن يعيره المسئولون والمهتمون بالزراعة أي اهتمام قائلين: دعنا نفكر في مايخرجنا من هذه الأزمة, وبعدها سيكون لكل حادث حديث. وأنا أقول شخصياً: إن أفضل الناس وأكثرهم وطنية هم الذين لاينسون الأسياسات للدول الطامحة إلى الرقي بالاكتفاء الذاتي من طعامها وشرابها تحت أي ظرف إن لم يعتبروا الأزمات خير منبه ومعين لمن أراد ويريد تحصين البلاد ضد الفاقة والفقر في زمن الشدة الطبيعية وغير الطبيعية, وكم أتمنى في هذه الساعة الحرجة حقاً أن يبادر المخلصون إلى عملهم في النهضة أو الثورة الزراعية التي بدونها سنقع في ماهو أسوأ وأخطر مما نحن فيه.