مهما تباينت وجهات النظر والمواقف تجاه ما يحدث في الساحة الوطنية فإن الغالبية العظمى من الناس يتفقون على كلمة واحدة وهي (تعبنا) من هذا الوضع الذي يراوح مكانه والذي تعطلت فيه مصالح الناس في مجالات عديدة, وفي التعب الذي أصاب النفوس ترقباً لانفراج هذه الأزمة التي بالإمكان أن تحل لولا العناد والمكابرة والأحقاد الشخصية. تعبنا من الكلام الذي يباعد ولا يقارب ومن التصريحات المتناقضة التي تطيل أمد الأزمة ومن وجوه بائسة قبل أوان البؤس لا ترى غير عيوب غيرها ولا تسمع غير كلامها ولا تؤمن إلا بسياساتها ولا تعترف إلا بحقها ولا تنظر إلا لحشودها وتتجاهل بقية الناس. تعبنا من تجار يخلطون بين المال والسياسة ويؤثرون مصالحهم على حساب وطن وشعب .. تعبنا من الانتظار في محطات الحلول وقد رفض الرافضون النزول عندها وتمسكوا بمواقفهم وساروا بعد أهوائهم وبعد من لا يهمه أمر البلاد والعباد. تعبنا من تجيير أحداث التاريخ والنصوص العقلية والنقلية لمصلحة فكرة وطرف في الصراع الحالي .. هذا هو جواب السؤال عند أكثر الناس حين تسأل أحدهم : كيف ترى الأوضاع وإلى أين تسير؟ تعبنا من هكذا أوضاع من انغلاق آفاق الحلول وبقاء الأزمة تراوح مكانها، ومن لعبة القط والفأر، ومن لعبة المصالح القذرة التي دفعت بأصحابها نحو التمسك بمواقفهم وبسلوكهم نحو طرق تحمل في خفاياها الكثير من المغامرات ومن المخاطر الكبرى .. تعبنا من أولئك الذين أغلقوا أعينهم ومسامعهم عن الحقيقة التي لا تقبل الانحياز مهما تكن القناعات ومهما تكن الانتماءات .. تعبنا من أناس يدّعون الطهر والصلاح والله يعلم والناس يعلمون أنهم ليسوا كذلك مطلقاً .. ومن أناس يضرون الشعب باسم مصالح الشعب، ويصادرون الحرية والحقوق باسم المزيد من الحريات والحقوق .. تعبنا من ديكتاتوريات تسعى لأن تجد طريقها إلى الواقع بمسميات مضللة. تعبنا من أناس يحاربون بالكذب والتضليل والخداع ويسعون لأن يكونوا حكاماً بتزييف الوعي وبالترهيب والترغيب وبالوعيد لمن لم يكن معهم من الآن .. حتى أولئك الذين تتعالى أصواتهم وتتصلب مواقفهم في بعض الأماكن يتغير موقفهم ويقولون : تعبنا، عندما يخرجون من أماكن الشحن والتعبئة .. عندما يعودون إلى منازلهم ويجدون أنها تعاني من هذه الأزمة ومن غياب الغاز وانقطاع الكهرباء ومن تعطيل المدارس والجامعات ومن مشكلات عديدة أوجدتها المواقف المتصلبة والمتشددة والمتطرفة .. نعم في غير تلك الأماكن يقولون: تعبنا، كنا نظن بأن الأمور أسهل وأن المسألة لا تحتاج لأكثر من أيام معدودة، وكنا نظن بأن الأمور لن تدخل في مسارها حسابات تجار المال والسياسة، وأن مطالب الناس سوف تبقى من غير أن يلوّثها شيء من الداخل أو الخارج .. تعبنا ويكفينا هذا التعب الذي ينذر بالمزيد لو خرجت الأوضاع عن السيطرة ولو قرر مغامر أن يزج بالبلد في أتون صراع المصالح والأحقاد التي نرى بوادرها منذ زمن ليس بالقصير.