نؤمن جميعاً بأن الموت سوف يطال كل نفس وفي وقت معلوم لايتأخر ولايتقدم, غير أن موت المبادىء والقيم حكاية أخرى أرى أنها أكثر إيلاماً وحزناً وأكثر خطورة من موت النفوس, ولذلك يكون الخوف من موت المبادىء والقيم النبيلة أكثر من سواه نظراً لانعكاساته على البشرية وعلى أنماط الحياة على وجه المعمورة.. المواقف والسياسات هي نتاج علاقة الناس بالمبادىء والقيم وكيفما كانت قيم الناس تكون مواقفهم وسياساتهم وأساليب تعاملهم مع الغير ومع القيم ذاتها, وهنا نقول وقد قال السابقون وسيقول اللاحقون: أن ثمة من هو ميت وإن كان حياً وثمة من هو حي وإن كان ميتاً والعملية كلها مرتبطة بوجود القيم والمبادىء من عدمه ولمعرفة مدى وجودها فإن التصرفات والأقوال والأفعال والمواقف والسياسات كلها شواهد على ذلك وهناك لحظات ومحطات تُختبر فيها قيم الناس ومبادئهم وأدق الاختبارات وأهمها تكون في أوقات الشدائد وفي أوقات الخلافات والتباينات، فإذا كانت القيم سليمة وسوية سوف تأتي التصرفات والأقوال والأفعال والمواقف كما ينبغي أن تكون وعدا ذلك سوف يسقط كل شيء حتى الثوابت الدينية والأخلاقية والإنسانية وسوف تأتي المواقف تبعاً للقيم والمبادىء التي يحملها الإنسان ويؤمن بها دون اعتبار أو تأثر بالخلافات والمشكلات القائمة بينه وبين الآخرين.. أبسط مثال أن يجري الاعتداء على مسجد للعبادة وهو أمر مخالف للقيم والأعراف الدينية والإنسانية وسقوط للمبادىء في مستنقع الفجور والعداوة والحقد الأعمى الذي لايفرق بين مسجد ومرقص ولا بين مسجد وموقع عسكري ثم نجد من لايدين هذا العمل أو يرفضه جملة وتفصيلاً دون البحث عن الأسباب والمبررات الواهية والقبيحة في هذه الحالة كقبح العمل وأشد من ذلك. هنا يكون اختبار المبادىء والقيم وهنا يجري الحكم على أصحابها وهنا يمكن الحديث عن موت القيم وكل الصفات الجميلة وهنا يجري التشريع لضرب دور العبادة واستهدافها بطرق همجية, وهنا سيقف المسلمون في حرج شديد أمام غيرهم من غير المسلمين.. ماذا سنقول لمن يحتلون المسجد الأقصى ولمن يهدمون المساجد الإسلامية وغيرها من دور العبادة؟ ماذا سنقول لأصحاب مجزرة الأقصى والحرم الإبراهيمي وغيرها من المذابح التي جرت للمصلين في الشرق والغرب؟ كيف سنعبر عن رفضنا واحتجاجنا وإدانتنا لكل الأعمال الإجرامية التي تُرتكب بحقنا وبحق غيرنا في كل مكان من هذه الأرض؟ ألم أقل بأن موت القيم والمبادىء أخطر من موت البشر وأكثر حزناً وإيلاماً لأن هذا النوع من الموت سوف يؤدي حتماً إلى موت البشر بغير حق قتلاً وتدميراً واستباحة.. مهما وصلت درجة خلافاتنا واختلافاتنا مع الغير فلا ينبغي لها أن تصل إلى الخلاف مع الأصول والقيم والمبادىء ولاينبغي لصامت أن يصمت لحسابات خاصة ولمواقف شخصية ولاينبغي لشامت أن يشمت لأنه على خلاف مع المستهدف لأن كل ذلك يعد سقوطاً للقيم والمبادىء عند أصحاب هذه المواقف ولربما دارت الأيام لتصل الأمور إلى رؤوس الشامتين والصامتين والمؤيدين لتلك الأفعال.