يسألونك عن الانقلابيين ، قل علمهم عند الشعب الذي يدرك بأنهم المستفيدون والمفسدون ، أولئك الذين أثقلتهم أوزارهم فهربوا بها إلى تأييد الشباب، وهم بذلك قد أفقدوا الشباب وهج قضيتهم وقيمتها ومطالبهم المدنية، التي أصبحت رهينة قوى العنف والإرهاب من المنشقين عسكرياً، ومن مليشيات الإخوان المسلمين القبلية أو العقائدية.أما السؤال غير المنطقي الذي يوجه إلينا باستمرار ونحن نتمسك بالشرعية الدستورية، وبمرجعية المؤسسات الديمقراطية، وبقواعد التداول السلمي للسلطة، وبالمرجعية الشعبية الانتخابية ،فصيغته الانتهازية تقول: ما ذا أعطاكم النظام ؟ أو ما ذا أنتم مستفيدون من النظام؟ وهو سؤال واحد موحد يردده كثير من الفرقاء الذين اختاروا الشارع بديلاً عن المؤسسات الديمقراطية والفوضى بديلاً عن الآلية المؤسسية ، والقوة بديلاً عن التعبير السلمي: السؤال يقول دائماً: أيش أنت مستفيد من النظام ؟ وأنا شخصياً أشعر بأن هذا سؤال مهين وسؤال انتهازي ، واضطر دائماً أن أصحح السؤال وأقول للسائل يفترض أن تسلني: لماذا أقف مع النظام ؟ لأن كل واحد من غالبية الشعب اليمني الذين يقفون مع النظام لديه مبرر عام يتعلق برؤيته وتقييمه للوضع ويتعلق بالمآلات الكبرى للوطن ، ولو كانت المسألة تتعلق فقط بالاستفادة الشخصية لكان أجدر بالسائل أن يقف إلى جانب النظام والشرعية الدستورية نظير ما جمع لنفسه على حساب النظام. وأتصور أن صياغة السؤال على ذلك النحو تعكس القيم الانتهازية والنفعية لدى الانقلابيين وتجعلهم أبعد ما يكون عن فهم حيثيات ودوافع غالبية الشعب اليمني والفئات الإيجابية والصامتة وقضاياها الكبرى التي تتجاوزهم كأفراد وتتعلق بسلام وأمن الوطن، وأن لديهم قراءة خاصة لما يحدث وتفسير ينطلق من الثوابت الوطنية التي توافق عليها الشعب عبر عقده الاجتماعي وعقده السياسي والبرامج السياسية ومنظومة من الأفعال الديمقراطية: كالانتخابات الرئاسية، والمحلية، والبرلمانية، وغيرها. إذا كان السؤال منطقيا على النحو الذي يطرحه المنقلبون على الشرعية ، فذلك يدفعنا إلى سؤالهم: لما ذا لم يخلصوا للنظام طالما كانوا هم أكثر المستفيدين منه؟ والمفسدين فيه ؟ والمسيئين إليه؟ والسبب في تخريبه؟ وكانوا واجهته التي استحوذوا عليها لزمن ، واتخذوه بقرة حلوبا احتكروا حليبها لأنفسهم دون الشعب؟ أما الأغلبية التي تقف دفاعا عن الشرعية الدستورية، والديمقراطية حتى الموت، ولديها استعداد لتقديم أرواحها ودمائها دفاعاً عن قضيتها فهي الفئات الأقل استفادة من النظام، وهناك أفراد مستعدون أن يدفعوا حياتهم ثمناً لقناعتهم ودفاعهم عن شرعية الرئيس والنظام وهم لا يملكون قوت يومهم، لا سعيا منهم لمغنم، ولا تطلع إلى فائدة ، ولكن بوعي شخصي منهم وقناعة وقوفهم مع الحق لأن الحق أحق أن يتبع، وإدراكاً منهم لسوء النوايا التي شكلتها التحالفات الانقلابية الخاسرة: المشترك وشركائه من جماعات الفوضى والتخريب والعنف والإهارب، وخوفاً من تحكم قوى التطرف والعنف والإرهاب بمستقبل الوطن وبمصير أبنائه. وحين تصل القناعة إلى درجة التضحية بالنفس، فإن السؤال النفعي والانتهازي يصبح مهيناً لملايين اليمنيين الذين يقفون في خندق الدفاع عن الشرعية، ويصبح سؤال الفرقاء سؤالاً غير مفهوم ويحتاج منهم إلى إعادة صياغته على نحو: لماذا تقف غالبية الشعب مع الشرعية ؟ والنظام؟ والرئيس ؟ هذا سؤال يجب أن يوجهوه إلى أنفسهم ويحاسبوا أنفسهم قبل أن تحاسبهم سيئات أعمالهم وسوء نواياهم. عليهم أن يعلموا أن في المواطنة جوانب لا ترتبط بالنفعية الآنية المقيتة، والأنانية الفردية، وأن في التربية والتنشئة الوطنية ما يربط الناس بوطنهم رباطاً وجودياً ، ورباطاً يتعلق بهويتهم وانتمائهم قبل أن يكون رباطاً للمنفعة، وهذا جانب يصعب على من لم يتربوا عليه أن يفهموه، لأن علاقتهم بالوطن هي علاقة منفعة ، وهم على استعداد دائم للانتقال دون عواطف إلى المربع الذي يحقق فائدتهم الشخصية ومشاريعهم الصغيرة ، وهم أسرع الناس إلى إجادة دور العمالة لمن يدفع من الخارج دون النظر إلى مصلحة الوطن أو أمنه ووحدته واستقراره وسلامه الاجتماعي. إننا بحاجة إلى مدرسة جديدة تعلم الانتهازيين صياغة السؤال على النحو التالي: لماذا ندافع عن الوطن وعن مصلحته العليا ؟ وماذا أعطيناه؟ بدلاً من السؤال الانتهازي: ماذا أعطانا الوطن لكي ندافع عنه ؟ أما الانتهازيون فقد أعطاهم الوطن الكثير، أو بالأصح نهبوا من الوطن الكثير، وأما من يحب الوطن فقد أعطى الوطن أكثر مما أخذ. وأما أن يدفع النظام ثمن احتضانه للمفسدين لعقود فكان جدير به أن يدفعه على النحو الذي تم، وأجدر به حاضراً ومستقبلاً أن يكون أكثر صرامة في تطبيق النظام والقانون بعد كل الذي حدث. [email protected]