حقيقة لقد وضع المفكر والأديب والكاتب الكبير الأستاذ محمد حسنين هيكل الأمور في نصابها, وذلك من خلال تصنيفه العقلاني والمنطقي والواقعي لما يجري في اليمن من خلال رؤيته المقتضبة والمتضمنة ترجمة واقعية للأزمة الطاحنة في اليمن منذ مطلع العام الجاري بأنها ليست ثورة, بل إنها قبيلة تريد أن تتحول إلى دولة. ومن تلك الرؤية النابعة من عمق التحليل المنطقي نضع عددٍاً من صور التضاد الذاهبة بمدلولها إلى عدم انسجام وتوافق الفكر الثوري مع الفكر القبلي، لأن المعلوم أن أية ثورة في العالم تقوم على مبدأ عام كلي كأساس لها هو (العدل المساواة)، وهذا هو الهدف الأدل الذي تقوم على أساسه أية ثورة مع تحفظنا على المصطلح مما يجري في اليمن. وقد رأيت ضرورة طرح هذا ليعرف المغرر بهم في الساحات عن بعد الفارق والمفارقات العجيبة من خلال رفع شعار الثورة والانقياد لمن لا يؤمن إلا بفكره المغاير والمتناقض مع أهداف الثورات، فصادق وأخوه حميد الأحمر لا يفقهان سوى ثقافة وفكر القبيلة بامتياز، فالشيخ في ثقافة القبيلة يظل شيخاً والقبيلي قبيلي، والمرأة محظور عليها حتى أن تركب في مقدمة السيارة ولا تركب إلا في الحوض المكشوف لأنها (عورة).. فهل سيقبل على سبيل الفرض الجدلي صادق الأحمر وأخوه حميد أن تكون توكل كرمان رئيسة مجلس أي كان وهو الذي لا يرى إلا أن دورها في المطبخ فقط وغيرها من الوظائف مما تتضمنه ثقافة هؤلاء..؟ الفكر الثوري يقوم على أساس بناء دولة نظام وقانون يتساوى فيه الحاكم والمحكوم، الشيخ والرعية، الرجل والمرأة، الغني والفقير، الكل سواسية أمام القانون.. بيد أن الفكر القبلي وثقافة القبيلة تقوم على أساس أن الناس مقامات، فلا يتساوى الشيخ القبيلي مع المواطن البسيط ككاتب هذه السطور أو غيره، ويقوم هذا الفكر أيضاً على مثل هَش «صُلح أعوج ولا شريعة مستقيم»، ويقوم على الهَجر والأثوار وقانون القوة وليس قوة القانون ...إلخ من المفردات التي لا متسع بسردها هنا مقارنة بين الفكر الثوري والفكر القبلي، إذ لا يمكن الجمع والتوفيق بينهما لأنهما ضدان، فالقبيلة بحاجة أولاً إلى ثورة على النفس للتحرر من تلك القيود التي تتعارض كلياً مع المبادئ الثورية، فها هو حميد الأحمر يقول بملء فمه نحن من ضحينا بدمائنا وأموالنا وبيوتنا، أليست تلك مقدمات يعقبها الإقصاء إذا نجحت هذه المؤامرة لا سمح الله، وإلا فكيف يمكن الجمع والتوفيق بين فكر ثوري وفكر قبلي يناقضه في أساليبه ومفرداته..؟ وعلى سبيل المثال كم خاض الشعب اليمني دورات انتخابية وكم من دوائر محافظة عمران قد خصصت للمرأة وكم امرأة نافست على المقعد في دوائر عرفت أنها مغلقة لأولاد الشيخ..؟ أضف إلى ذلك أن الفكر الثوري يحرر الناس من القيود والسجون والاعتقالات التعسفية مع أننا لو قمنا بزيارة لسجن عمران لوجدنا مئات من سجناء صادق وحميد وحمير وحسين وهاشم وحاشد، وكذلك السجون الخاصة التي يعتبرها الفكر الثوري جريمة يعاقب فاعلها بالسجن لمدة سبع سنوات كل من أنشأ سجناً خاصاً أو احتجز حرية. وللتدليل على أن ثقافة القبيلة لا تزال هي السائدة لديهم مهما ادعوا العكس أن النائب العام أو رئيس النيابة المناط بهم حماية القانون إذا ما قاموا بدورهم وزاروا تلك السجون الخاصة وقرروا الإفراج عن سجناء الشيخ رفض السجناء أنفسهم الخروج بحجة أن الآمر هو الشيخ ولا يجوز التعدي على أمره.. هذه ثقافة يستحيل أن تتحول إلى ثورية ومبادئ ثورة أو تتفق معها لذلك يجب أن نقف مع أنفسنا ونراجع أوراقنا ونعلم أن القادم سيكون أشد وأنكأ من الحاضر الباسط يده لاجتثاث جذور الفساد.