الأربعاء الماضي كان اليمنيون على موعد مع حدث هام من المفترض أن يكون هو نقطة التحول في مسار الأزمة السياسية الراهنة باتجاه الانفراج بعد ما يزيد على عشرة أشهر من التوتر والتأزيم والتصعيد الدموي المؤسف من قبل أطراف الأزمة, الأربعاء الماضي اتجهت كل الأنظار نحو العاصمة السعودية الرياض لمتابعة مجريات التوقيع على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة برعاية من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز. لقد توجه الرئيس شخصياً إلى الرياض في مبادرة لم يكن قادة المعارضة يتوقعونها وظلوا حتى اللحظات الأخيرة يشككون في جدية الرئيس في التوقيع على المبادرة, لقد فاجأ الرئيس الجميع وأثبت للعالم أجمع حرصه على أن يتجاوز الوطن هذه الأزمة العصيبة ويتخلص أبناء الشعب من الأوضاع الصعبة والمريرة التي يعيشونها ويكابدون مراراتها منذ ما يزيد على عشرة أشهر, أثبت للجميع أنه غير متمسك بالسلطة ولا يريد أن يورثها لابنه كما تروج أبواق المعارضة، وأنه يرغب فقط في نقل السلطة بالطرق الدستورية والقانونية وبأسلوب سلمي بعيداً عن العنف والدماء والتخريب والدمار. انتصر الرئيس للوطن وللشعب ووقع على المبادرة الخليجية وقطع الطريق أمام القوى السياسية التي ظلت تؤلّب المجتمع الدولي ضد اليمن مطالبة بفرض عقوبات على الشعب ومحاصرته تحت شماعة معاقبة السلطة الحاكمة, لقد أصابهم الرئيس في مقتل ووضعهم أمام الأمر الواقع على مرأى ومسمع العالم أجمع, واضعاً الكرة في ملعبهم ليتفاعلوا مع المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ويبدأوا بتنفيذها على ضوء ما تم التوقيع عليه في الرياض بعيداً عن اللجوء إلى «الدغننة» وسياسة مسك العصا من المنتصف, فلم يعد هناك أية مبررات أو ذرائع يتذرعون بها لتبرير مواقفهم المتصلبة الرافضة للحوار والتوافق للخروج من النفق المظلم للأزمة الراهنة. انتصر الرئيس للوطن الذي أحبه وأخلص له طيلة فترة حكمه, الوطن الذي قدم له كل ما استطاع تقديمه من خدمات ومنجزات حملت بصمته القيادية المميزة منجزات تتحدث عن نفسها جعلته يدخل سفر التاريخ من أوسع أبوابه بشهادة أولئك الذين كانوا حلفاء له في الماضي القريب والذين تحولوا إلى أعداء وخصوم أمعنوا في الخصومة والعداء لدرجة لا يمكن احتمالها, الوطن الذي حمل علي عبدالله صالح كفنه على كتفه وهو يتقدم بخطى الفارس المقدام لتولي مهام قيادته في الوقت الذي أحجم الكثير من الساسة والقادة ورموز النضال الوطني عن ترشيح أنفسهم لإدارة البلاد، حيث كان ينظر الجميع إلى كرسي الرئاسة على أنه كرسي مفخخ سرعان ما يفتك بمن يعتليه، وبدهاء السياسي الحكيم والقائد الشجاع استطاع ترويض هذا الكرسي وتمكن من تجاوز مرحلة اللااستقرار التي كانت تعيشها البلاد وخصوصاً عقب استشهاد الرئيس الراحل إبراهيم الحمدي «رحمه الله», قاد البلاد في ظل هذه الظروف وعمل على تجاوزها وظل على مدى 33 عاماً يعطي هذا الوطن كل وقته وجهده, أصاب كثيراً ولم يسلم من الخطأ فالكمال لله وحده, وفي ساعة الشدة انحاز لمصلحة هذا الوطن وأعلن تنحيه عن السلطة من أجل ترسيخ وتجذير مبدأ التداول السلمي للسلطة ولم يكترث بالتحريضات التي كان يقوم بها البعض من أجل اندلاع الفتنة وتدمير البلاد, كان حكيماً ومتزناً ووفياً لهذا الوطن. انتصر للشعب الذي التف حوله وسانده منذ توليه مهام السلطة وحتى اليوم, الشعب الذي ضرب أروع الأمثلة في الصبر والوفاء والإخلاص لله وللوطن وللقائد, الشعب الذي منحه الثقة المرة تلو الأخرى لمواصلة مسيرة بناء اليمن الحديث والمتطور, الشعب الذي ظل صامداً في هذه الظروف العصيبة وتحمّل تبعات الأزمة من أجل تفويت الفرصة أمام من يحاولون زرع الفتنة في أوساطه, الشعب الذي وقف ضد دعوات إسقاط النظام وظل متمسكاً به حتى اليوم, لقد انتصر الرئيس للشعب بتوقيعه على المبادرة الخليجية من أجل أن يحقن دماء اليمنيين ويقطع الطريق أمام من يحاولون جر البلاد نحو منزلق الحرب الأهلية, لقد آلمه صبر الشعب على هذه الظروف ولم يتردد في إيجاد مخرج نهائي لها حتى ولو كان ذلك على حساب تركه للسلطة وتنحيه عنها, لقد بادلهم الوفاء بالوفاء رغم أن الكثير من أبناء الشعب كانوا ضد توقيعه على المبادرة وتنحيه عن السلطة على اعتبار أنه وصل إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع وبموجب الدستور والقوانين النافذة في البلاد. انتصر للشعب وهو يدرك حجم المؤامرة التي تحاك ضد اليمن فكان السبّاق في وضع النقاط على الحروف من خلال التوقيع على المبادرة الخليجية لتجنيب البلاد الفتنة ووضع نهاية لحصاد الأرواح وسفك الدماء, كسب احترام الجميع وتضاعفت محبته وشعبيته في أوساط الشعب وخصوصاً بعد أن ظلت تردد قوى المعارضة ومن دار في فلكها بأن توقيع الرئيس على المبادرة الخليجية سيضع نهاية للأزمة السياسية بكل تداعياتها وإفرازاتها. اليوم وبعد التوقيع من المؤسف الاستماع لأصوات نشاز ترفض ما تم التوقيع عليه وتأبى إلا الاستمرار في التصعيد والتوتر لأنهم رأوا أن ما تم الاتفاق عليه لا يلبي سقف مطامعهم وأهدافهم الشخصية التي ينشدونها من وراء ركوب موجة ما يسمى بثورة الشباب، ولا أعلم ماذا يريد هؤلاء بعد كل ما تم الاتفاق عليه؟! تحريك الشباب في الساحات وتصعيد أعمال العنف لن يوصل هؤلاء إلى ما يخططون مهما بلغوا من مراتب في سلم الدهاء السياسي، فالعالم أجمع وقف على الأزمة اليمنية بكل تفاصيلها وملابساتها وتم التوافق على المخرج المناسب في هذه الأزمة ولم يعد هناك من مجال للمراوغة وقلب الحقائق, فالمرحلة تتطلب تنفيذ الآلية المزمنة لمضامين المبادرة الخليجية وعلى العالم أجمع الوقوف ضد كل من يحاول تعطيل ما تم الاتفاق عليه والدفع باتجاه حل الأزمة اليمنية على ضوء المبادرة الخليجية وخصوصاً أنها تضمنت العديد من البنود التي من شأن تنفيذها على الأرض تلبية كافة طموحات وتطلعات أبناء الشعب اليمني. أنا ضد استمرار الاعتصامات وأعمال التصعيد, يجب أن يتعامل الجميع مع المبادرة الخليجية على أنها الخيار الأنسب للخروج من الأزمة انطلاقاً من الخصائص التي تمتلكها والتي لا تتماشى مع خصائص الأزمات التي شهدتها ولاتزال بعض الدول العربية, على الشباب الانسحاب من الساحات ومراقبة عملية تنفيذ المبادرة وإن لمسوا أي انحراف فلا مانع من عودتهم إلى الساحات حتى تتحقق كامل بنود المبادرة ويتجاوز الوطن هذه المرحلة, لا نريدهم أن يكونوا حجر عثرة أمام تحقيق المصالحة الوطنية, هناك أعداد كبيرة منهم من المنتمين للأحزاب وعلى وجه الخصوص حزب الإصلاح وعلى هؤلاء الانسحاب الفوري من الساحات بعد التوقيع على المبادرة ولم يعد هناك مبرر لبقائهم فيها, ونريد المعارضة أن تكون عند مستوى المسؤولية وتعمل على إقناع أنصارها بضرورة التخلي عن النزعة العدائية والتشاؤمية تجاه المبادرة الخليجية, ولا نريدها أن تكيل بمكيالين وتتعامل بأكثر من وجه مع ذات القضايا, الرئيس وقع على المبادرة وعليهم احترام وتقدير ذلك والبدء بالتعاطي مع متطلبات نقل السلطة بمسؤولية, العالم كله شاهد على توقيع المبادرة وآليتها التنفيذية, فلا داعي للاستفزازات والحماقات, احترموا مشاعر أنصار الرئيس، لا تدفعوهم إلى الرد على حماقاتكم, آن الأوان أن تطوى صفحات الأزمة وينتصر الجميع للوطن والشعب كما صنع الرئيس, آن الأوان بأن يتصالح الجميع ويتفرغوا لبناء اليمن الجديد, يكفينا صراعات وانقسامات وشحناء وبغضاء وعدائية متبادلة بين أبناء الوطن الواحد.. حكمتنا اليمنية يجب أن تظهر في هذه المرحلة, لا نريد الانقلاب على المبادرة الخليجية لأن في ذلك انقلاباً على أمن واستقرار الوطن ووحدته المباركة, نحن ضد الإساءة للجهود السعودية المخلصة لإخراج اليمن من هذه الأزمة, هذه إساءات منبوذة من المجتمع اليمني وهي مردودة على أصحابها, المواقف السعودية ستظل محل تقديرنا وشكرنا ولا يمكن أن تنال منها بعض الهرطقات من هنا أو هناك, وكل الجهود من كل الأطراف التي تسعى من ورائها لاحتواء الأزمة وإخراج البلاد من براثنها ومنغصاتها هي محل تقدير وعرفان الشرفاء من أبناء الشعب, والشعب هو من سيخرج إلى الساحات من أجل تأييد المبادرة الخليجية وعملية الانتقال السلمي للسلطة.. حفظ الله اليمن واليمنيين وأدام علينا نعمة الوحدة والأمن والاستقرار ولا عاش أعداء اليمن. [email protected]